3:38 مساءً / 16 يونيو، 2025
آخر الاخبار

من غزة إلى الخليج ، هل يُفجر ترامب ونتنياهو الحرب الأوسع ، أم يُفتح باب التعددية والتسوية بالمنطقة ؟ بقلم : مروان إميل طوباسي

من غزة إلى الخليج ، هل يُفجر ترامب ونتنياهو الحرب الأوسع ، أم يُفتح باب التعددية والتسوية بالمنطقة ؟ بقلم : مروان إميل طوباسي

من غزة إلى الخليج ، هل يُفجر ترامب ونتنياهو الحرب الأوسع ، أم يُفتح باب التعددية والتسوية بالمنطقة ؟ بقلم : مروان إميل طوباسي

في ليلة ستُسجل كمفصل أستراتيجي في تاريخ الصراع الإقليمي ، تجاوزت إيران “الخطوط الحمراء” التي كان قد رسمها الغرب ، وأطلقت صواريخ دقيقة ومُسيّرات بدقة وذكاء مدروس نحو العمق الإسرائيلي بل والقدرة على تعطيل أنظمة الدفاع وسقوط صواريخ اسرائيل نفسها في قاعدة عسكرية لها ، لتفتح بابا على واقع جديد يتمثل في ان إسرائيل لم تعد وحدها من يملك قرار المبادرة والردع ، ولا ضمان الحماية الغربية بات حتميا كما كان .

لقد كشفت هذه الليلة أن الحسم لن يكون إسرائيلياً خالصاً ، فتل أبيب باتت الحلقة الأضعف في مشهد يتجاوز قدراتها العسكرية والسياسية وفي ظل عزلنها الدولية ووقوفها امام العدالة والقضاء الدولي ومظاهرات الشعوب بحكم جرائم المحارق والإبادة والأستيطان . المسألة اليوم لا تتعلق فقط برد إيراني أو حسابات نتنياهو الداخلية ، بل تتعلق بقرار أكبر . فهل يملك الغرب وفي مقدمته واشنطن الرغبة والقدرة على تحويل هذه الحرب إلى مواجهة إقليمية كبرى لحماية إسرائيل؟ أم أن الردع قد تغيّر ، وأن النظام الدولي يدخل فعلياً مرحلة تعددية المعايير لا التفرد بها؟

ذلك هو التحدي الأخلاقي والاستراتيجي الأعمق الذي تطرحه تطورات الليلة ، فهل تُستدرج المنطقة إلى حرب مفتوحة تشعل الخليج وبلاد الشام وغزة معاً ، أم تُفرض تسوية جديدة بموازين مختلفة ، لا تقوم فقط على تفوق القوة المزعومة ، بل على الاعتراف بتحولات الواقع وصعود مقاومته ؟

ففي زمن النار ، حيث ترتجف الجغرافيا بين غزة وهرمز ، تتقاطع الأجندات وتتداخل الخطوط الحمراء ، وتُرسم خرائط الدم من جديد على طاولة المقامرة الإستعمارية الإسرائيلية ـ الأمريكية . لم يعد ما نشهده مجرد تصعيد ، بل هو لحظة مفصلية تشير ان محاولة صياغة شرق أوسط جديد يُبنى على أنقاض كيانات مستنزفة وشعوب مقهورة قد أصبح اليوم يتهاوى .

تتحرك إسرائيل في الميدان كذراع ضاربة لرؤية ترامب ، المتحررة تماما من قيود الأعراف الدولية ، فيما يتصرف نتنياهو وكأن الزمن عاد إلى ما قبل أوسلو ، مستندا إلى تفويض أمريكي مطلق وصمت إقليمي مُريب .

لكن تطورات هذه الليلة من فشل القبة الحديدية والأنظمة الاخرى الأمريكية ، إلى اختراق العمق الإسرائيلي وايقاع الخسائر الكبيرة في مجالات حيوية ، إلى غياب الردع الحاسم ، شكّلت صدمة استراتيجية تُعيد ترتيب المشهد . فقد بدا أن إسرائيل ، رغم تفوقها التقني الذي كانت قد روجت له وقبله بعض العرب ، عاجزة عن احتواء الهجوم ، وأن إيران ومَن خلفها باتوا شركاء فعليين في رسم معادلات القوة لا مجرد خصوم منبوذين .

أما إدارة ترامب ، التي تسعى منذ البداية في محاولات تثبيت وقائع جيوسياسية تقلب الطاولة على الجميع من خلال رؤيتها لتصفية القضية الفلسطينية التحررية ، تطويع الخليج في محور التطبيع ، ومحاصرة إيران ، مع تقليم أظافر الصين وروسيا في الشرق الأوسط ، قد باتت في إنهيار لتكشف حجم الأزمة السياسية والعقائدية الأمريكية اساسا وما يرتبط بها اسراىيلياً .


غير أن مشروع إعادة هندسة “الشرق الأوسط الجديد” الذي تنشده واشنطن وتل أبيب ، قد يكون اليوم في مهب الريح ، أمام تحولات موازين الردع ، وتغير المشهد الإقليمي لصالح قوى مقاومة هذا المشروع الإستعماري الجديد ، وصعود محور متعدد الأقطاب يعيد تشكيل قواعد اللعبة بالمنطقة وبما له من تداعيات دولية .

روسيا ، المثقلة بجبهة أوكرانيا تتحرك بحذر ، لكنها تتابع بانتباه انهيار منظومة الردع الإسرائيلي وتَمدد التهديد الإقليمي . مكالمة بوتين ـ ترامب ، وإن بقيت في الظل ، تعكس سعي موسكو لترسيم حدود الاشتباك والتأثير ، دون منح واشنطن حرية كاملة في تحديد مصير المنطقة لوحدها اليوم ، ودون السماح بهزيمة إيران وفق التحالف الإستراتيجي والمصالح المشتركة بينهم .

أما الصين ، فتُراقب سوق الطاقة بعيون مفتوحة . فكل صاروخ يطلق من طهران باتجاه تل أبيب وحيفا يعني تهديداً مباشراً لتدفق النفط عبر مضيق هرمز ، ويمنح بكين فرصة لمناورة استراتيجية طويلة النفس ، كقوة بديلة في ما بعد الحرب ، وفي دعمها بالاشتراك مع روسيا في محاولات تأمين الأمن والسلم الدوليين في مواجهة عقلية تهديدهما والسيطرة الأمريكية الأحادية على العالم واسقاطها .

وفي أوروبا ، يكشف الصمت عن مأزق عميق ، بين ولائها التقليدي لواشنطن الذي بدا بالتزعزع منذ فترة ، وضغوط الشارع الأوروبي الشعبي المعارض للعدوان الإسرائيلي وتحديدا في غزة ولسياسات حكوماته الأوروبية ، تقف القارة العجوز على حافة أزمة تتمثل في لاجئون جدد ، أسعار طاقة ملتهبة ، وشبح الركود ومواجهة شعوبها . كلها أوراق تدفع الأوروبيين إلى البحث عن حلول تجنبهم الانفجار القادم والتأثر بارتدادتها ، دون قدرة على التأثير الحقيقي .

الخليج العربي بدوره ، يتأرجح بين نار الواقع ووعود التطبيع . السعودية والإمارات وإن لزمتا الصمت ، تدركان أن اندلاع حرب كبرى سيقلب معادلات الاستقرار الهش ، ويضع التطبيع في مهب الانفجار الشعبي ، ويجر المنطقة إلى حافة المجهول .

في هذه الأثناء ، تنكسر محاولات فرض ثقافة الهزيمة والقبول بالأمر الواقع . وتعود فلسطين إلى مركز المشهد ، لا كقضية وطنية تحررية فقط ، بل كمفتاح لأي توازن قادم بالمنطقة تمنع إسرائيل من الاستفراد بالقرار أو فرض التسويات السياسية بالقوة .

تصريح ترامب بأنه “غير منخرط مباشرة”، يحمل في طياته أكثر من مناورة . فهو إعلان انسحاب من الاشتباك المباشر ، لكنه في ذات الوقت تلويح بتدخل مؤجل إذا ما تحققت الشروط الأمريكية . وهنا بالضبط ، تتحرك روسيا والصين لتقديم نفسيهما كوسطاء يضمنون التوازن لا التفرد وباتجاه التسوية لا الإملاء .

وإذا كانت إيران قد فرضت معادلتها النارية الليلة وما سيتبعها وفق التصريحات الإيرانية ، في الحسابات الإقليمية , فهذا تطور لم يعد ممكنا تجاوزه .


لقد أصبح المشهد واضحاً ، فإما أن يواجه التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي لحظة ارتطامه بجدار الواقع المتغير ، أو أن يُعاد تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” لا وفق مشيئة واشنطن وتل أبيب ، بل وفق توازنات مغايرة تفرضها الشعوب ، ومقاومتها لمشاريع التصفية و”التفوق اليهودي من زاوية العقيدة الصهيونية ” وتحولات الردع .

ووسط كل هذا ، يبدو أن إسرائيل نفسها ، رغم كل نيرانها ، تقترب من لحظة الانكشاف الكامل . فالمجتمع الإسرائيلي ، الذي طالما رُوج له كقلعة متماسكة ، يعيش اليوم تصدعاً نفسياً واقتصادياً وأمنياً وحزبياُ ومجتمعياً غير مسبوق في ظل نظام فاشي يقوم على الأساطير الدينية التلمودية ، كما وتهتز صورة “الجيش الاخلاقي الذي لا يقهر” ، وتضعف قبضة الردع ، وتتآكل الثقة بقيادة اسرائيلية تغرق في مغامرات خارجية لتمنع عن غيرها ما تبيح لنفسها به دون رؤية للخروج .

يبقى الفلسطيني كما كان دائما عبر تاريخ كفاحه الوطني في قلب المشهد ، لا ضحية فقط ، بل رمز الصمود وإرادة التحرر الوطني . ومن فلسطين تبدأ خرائط العدالة والمساواة ، ومنها يُقاس ميزان الإنسانية ، ليس بالقوة الغاشمة ، بل بإرادة من يرفض الخنوع ويصنع التاريخ بإرث النضال وبوصلة الحرية .

شاهد أيضاً

تقرير : إسرائيل أمام مستقبل غامض

شفا – رغم مظاهر القوة العسكرية التي تُظهرها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، فإن …