5:18 مساءً / 13 يونيو، 2025
آخر الاخبار

“حين يفيض الوعي يغرق العقل” بقلم : الاستاذة إيمان مرشد حماد

"حين يفيض الوعي يغرق العقل" بقلم : الاستاذة إيمان مرشد حماد

“حين يفيض الوعي يغرق العقل” بقلم : الاستاذة إيمان مرشد حماد

انا لستُ طبيبة ولكن أعتقد انه في حين أننا دوما ندقق فيما نأكله من طعام و نحرص أن يكون صحياً ولا يسبب لنا المرض، تجدنا نتغافل عما يأكلنا من الداخل. ومع مرور الوقت وارتفاع منسوب الذكاء لدينا ندرك تماماً ان الإدراك الزائد هو ما يجلب للإنسان أخطر الأمراض، فالشاعر لم يقل عبثا :

ذو العقل يشقي في النعيم بعقله
واخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

نعم يشقى الذكي ويسعدُ الجاهل، فالأغبياء يتمتعون بحياة سعيدة لأنهم لا يتجاوزون حدود الإدراك الساذج، وهم بالمطلق لم ولن يصلوا إلى حدود الوعي والاستبصار الذي يجلب الحزن والشقاء. فالحزن سببه الذكاء ، وهو بالضرورة عرض جانبي لا بد منه لأنه ببساطة ملازم للاستبصار. ومما يؤسف له هو ان الفهم الزائد للجانب المظلم من الحياة والتعمق فيه لا يبدد الظلام بل يجعله أكثر وضوحاً وكثافة.

وعندما يصل الإنسان إلى حدود الإدراك الساذج ويتجاوز عتبته ليصل إلى الاستبصار الزائد تجده يغرق في الحزن والعزلة لأنها تصبح ملاذه الأمن ودرعه ضد المزيد من الفهم. هذا هو حزن الحكمة التي نحصل عليها بعد تجاربنا الصادمة التي تنضجنا بألمها المرير وتقودنا إلى الولوج في عوالم الحكمة.

أما الحزن المعرفي المزمن فهو القاسم المشترك بين الشعراء والأدباء والفلاسفة والمجانين على حد سواء، وانا شخصياً أميل للتحليل النفسي الذي يعتبر الجنون حكمة مبطنة ناتجة عن فهم مفرط للحياة مما يجعل الإنسان يفقد عقله لأنه لم يستطع أن يهضم واقعاً وجده أقسى مما توقع وأفظع مما يستطيع عقله التعامل معه فيلجأ للجنون أو الاضطراب النفسي كملاذ آمن من الواقع القاتم الذي يعيشه.

ومن الأمثلة على ذلك هو جنون الملك (لير) في مسرحية ويليام شكسبير الشهيرة( الملك لير) ، حيث أن جنونه كان جواز سفره نحو معرفة الذات. لقد فهم (لير) الوجه الحقيقي لمن حوله عندما فقد عقله ولجأ لعزلته في الغابة. فلير لم يستوعب كمية العقوق والشر الذي صدر عن ابنتيه ففضل الهرب على تصديق الواقع.

ومن هنا أجد ان الحزن هو عرض جانبي يعاني منه العقلاء الذين فهموا ولم يفقدوا عقولهم ، ولكن للأسف
لا يمكن الرجوع عن الفهم ، ولذا سيتعايش صاحب الاستبصار المفرط مع حزنه وليس له أي خيار آخر.

وبالتالي ، ما ندركه هو ما يقتلنا وليس ما نأكله ولذلك تجد أن الدراسات الطبية تثبت أن القلق والتوتر والأرق والعصبية هي القاتل الأول للإنسان وليس حفنة من البطاطا او قطعة من الحلوى او رغيف من الخبز – الذي أصبح التحذير منه في الأوساط الصحية يشبه التحذير من المخدرات.

ولكن لمن يؤمنون بأن ما تتناوله هو من يقتلنا أقول لكم أننا نستغني عن بعض الأطعمة بكل سهولة وتتوقف عن أكلها ، ولكن كيف لنا أن نتخلص مما يأكلنا من الداخل؟! والأهم من ذلك كيف لنا أن نقمع العقل الذي يستيقظ أكثر من اللازم في حين أنه مجبر على التعامل يومياً مع السُذج والاغبياء؟ وكيف لنا أن نتوقف عن النظر في مرآة الوعي المتصدعة عندما يفهم العقل أكثر مما يحتمل؟ فالوعي بلا قيد يقود إلى عقل بلا مأوى.

إيمان مرشد حمّاد

شاهد أيضاً

مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ

مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة : على إسرائيل الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية في قطاع غزة

شفا – أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا في دورتها الاستثنائية الطارئة في 12 يونيو/حزيران، …