8:37 مساءً / 8 يونيو، 2025
آخر الاخبار

غزة في رواية “سلالة من طين، غزة الباكية” قمر عبد الرحمن ، بقلم : رائد الحواري

غزة في رواية "سلالة من طين، غزة الباكية" قمر عبد الرحمن ، بقلم : رائد الحواري

غزة في رواية “سلالة من طين، غزة الباكية” قمر عبد الرحمن ، بقلم : رائد الحواري

الكاتب/الأديب النبيل هو الذي يتماهي مع هموم شعبه/أمته، ويتناول قضاياها مظهرًا هموم وطموح هذا الشعب/الأمة، من هنا وجدنا الكثير من الأدباء والشعراء الفلسطينيين يتناول حال شعبهم، وما يتعرض له من إبادة وتطهير عرقي في غزة، حتى أن العديد منهم يعيشون في قارات وبلاد بعيدة، أمريكا، روسيا، كندا، إسبانيا، أستراليا، هولندا وغيرها، فرغم أنهم يعيشون حالة الترف ورفاهية، إلا أننا نجدهم منحازين لشعبهم، ويكتبون آلامهم/وجعهم وكأنهم بيننا.

إذن الكتابة عن مكان، عن ناس في مناطق (بعيدة) مسألة طبيعية بالنسبة للفلسطيني، لأن الكتابة ليست مجرد وصف خارجي للأحداث، للناس، للواقع، بل هي الدخول النفسي، والتماهي مع المكان وفي الناس، والشعور بما يشعرون، يحسون، يتألمون، يريدون، يأملون، وهذا ما يجعل كتابة الأديب صادقة، منتمية لشعبها ولأمتها.


نحن في فلسطيني مقسمين جغرافيا إلى أكثر من منطقة، فلسطين ال48، الضفة الغربية، القدس، غزة، والانتقال بين هذه المناطق صعب، وحتى مستحيل، للإجراءات المتشددة والحواجز التي وضعها الاحتلال، أكثر من ألف حاجز في الضفة الغربية وحدها، لكن فضاء النت سمح لنا بالتواصل فيما بيننا.

العدوان الوحشي على غزة، دفع العديد من الكتاب والأدباء والشعراء للكتابة، حتى أنه طال كل فلسطين من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، فنجد الكل يكتب عن غزة، وكل في مجاله، القصة، القصيدة، الخاطرة، الرواية، وهنا أذكر الروائية نزهة الرملاوي التي كتبت أول رواية “تراتيل في سفر روزانا” تحدث عن غزة وما يجري فيها من إبادة، ثم تبعها المتوكل طه بروايته “أخبار نصف جيدة” والتي تعد نقلة نوعية في الرواية (الساخنة/الواقعية) حيث قديم الواقع من خلال الفانتازيا “الحصان” الذي يستطيع التنقل بين الأمكنة كبساط الريح، وحسب اطلاعي المتواضع تأتي رواية “سلالة من طين، غزة الباكية” كثالث رواية تصدر في الضفة الغربية تتحدث عن غزة الآن.

الأحداث وطريقة تقديمها


تتناول السارد حياة أسرة فلسطينية تعيش في غزة، “مريم” المتزوجة من رجل دين يعاملها بقسوة: “الرجال قوامون على النساء، ومثنى وثلاث ورباع، وضربوهن” وكلما ضربها، تأتي لبيت أهلها، لعلها تجد حلًا لواقعها البائس من زوجها الذي تعمدت الساردة عدم ذكره بالاسم/ كإشارة إلى نفورها منه ومن تعامله المتخلف مع “مريم” لكن الأب يعيدها في كل مرة إلى بيت زوجها مكره: “البنت مالها غير بيت زوجها… بدك نصير علكة بلسان الناس… اختصري يا مرا… ولا تقوي عين بنتك” ص64، وإشارة إلى كثرة الضرب والإهانة التي تلقتها “مريم” من زوجها النكرة: تقدم السارد هذه الصورة: “شرح لها آدم في الطريق ماذا سيفعل، لكنها كانت خائفة من ردة فعل أبيها، طمأنها وقبل جبينها الذي جعده الهم قبل أونه” ص17، فالساردة تعلم أن هناك قسوة في المشهد، فأرادت التخفيف على المتلقي من خلال الصورة أدبية “جبينها الذي جعده الهم قبل أونه” وهذه لفتة تحسب للرواية.

يستمر الزوج في ضربها، حتى أنه يقوم بضربها وحرقها، تعود كما العادة إلى بيت أهلها، يقودها شقيها “آدم” إلى الشرطة لكتابة محضر بما جرى، وهنا يتدخل الأب مرة ثانية مستخدمًا سلطته الأبوية: “من امتى بناتنا بتروح على مركز الشرطة…أنا بقرر الكيل طفح أو لا؟! فاهم” ص20، وهنا تقرر “مريم” الانتحار، تاركه ابنتها “شفا” خلفها.
وهناك “نضال” الابن الأكبر الذي يذهب لدراسة الطب في مصر، لكن الاحتلال يعتقله على المعبر رفح، وهذا ما جعل “آدم” هو الفاعل في الأسرة. بعدها انتحار “مريم” يشعر الأب بالذنب/بالخطيئة التي اقترفها، فيموت حسرة على ابنته وما فعله بها.

أما الأم فلم تكن سوى متلقي للألم، وليس لها فاعلية، فهي تعيش مع رجل يفكر بعقلية الذكور وهيمتنهم على كل ما هو أنثى، امرأة: وجه أمه تبكي بحرقة…تبكي لرجوع مريم لزوجها ظلمًا” ص21، إذن نساء الرواية مظلومات اجتماعيًا، وهذا انعكس على الساردة التي انحازت كليًا للإناث، ليس في طرح الأحداث والتوقف عند مظلومية المرأة فحسب، بل حتى في اللغة التي استخدمتها: “يبدو أن الشمس تعلم مسبقًا أنها لو تراجعت سيسطو الليل بظلمه على كل شيء، لذلك تصر الشمس أن تبقى شوكة في حلقه، وتسعى لتكون نجمة تثير قلقه” ص9، نلاحظ الانحياز للغة الأنثى في المقطع: “الشمس، نجمة، شوكة” والوقوف ضد الذكر “الليل، بظلمه، حلقه” وهذا الأمر تكرر في أكثر من مشهد، وأحيانا نجد (المغالاة) في انحياز الساردة للأنثى، فقد حولت ما هو جميل ومفيد “البحر، ماء البئر” إلى كائن متوحش يخطف الأحباء: “يعتقد آدم أن البحر اختطف أخوه كما اختطف ماء البئر أخاه يوسف، يكاد يجزم أن كل مصيبة تحصل سببها الماء أو البحر، فهو يبتلع الصيادين، ولا يبتلع جنود الاحتلال” ص44، نلاحظ أن الذكر “البحر، ماء البئر” يقمون بأفعال مؤذية لآدم، خطف أخوته وابتلاع الصيادين، وهذا يقودنا إلى أن الساردة (تماهت/انفعلت) بأحداث وشخصيات روايتها، مما انعكس على لغتها، متجاهلة أن عليها (رصد/تقديم) الأحداث بصورة محايدة، لكن يبدو أنها لم تستطع السيطرة على اندفاعها وتفاعلها، فكان هذا الانحياز للأنثى، وهذا التحامل على الذكر.

الواقع السياسي


تنتقد الساردة الواقع السياسي من خلال حوار “آدم” وخطيبته “هبة”:


“ـ يعني ما بنفع التفاوض إلا بعد ما يستشهد مية شهيد.. أف حسبي الله ونعم الوكيل.. كل عيلة عندها شهيد أو جريح أو إعاقة أو هدم أو فقدان كامل!


ـ ولا حدا قلقان في وجعنا” ص136.

الاحتلال


جرائم الاحتلال لا تخفي على أحد، فالقصف يقتل الجميع، إن كانوا شيوخًا أم أطفالًا،، رجالًا أم نساء، يعد هدف ووسيلة واستراتيجية للاحتلال، فالقتل والتدمير هدف الاحتلال ونهجه، وليس كما يقولون في الإعلام: “تم القتل بالخطأ، أو أن القصف نتيجة معلومات خاطئة” فالعدو يقتل لأنه يريد تفريغ فلسطين من أهلها، ويدمر، لأنه لا يريد أن يرى بيتًا فلسطينيًا قائمًا، إذن لا يوجد خطأ أو معلومات خاطئة، الساردة تعطنا صورة عن هذا القتل والتدمير الممنهج: “أكثر من مئتي حالة تم انتشالهم من تحت الأنقاض…وهناك العديد من العائلات حذفت بالكامل من السجل المدني…أطفال الشاطئ، تفحمت أجسادهم جراء قذيفة مباشرة، وهم يلعبون الكرة”ص144و145، وإذا علمنا أن “هبة” تستشهد وهي تقوم بدورها في مساعدة المصابين والجرحى، نصل إلى وحشية هذا الاحتلال وبربريته.

وإذا أضفنا اعتقال الفلسطينيين دون توجيه تهمة لهم، كحال “نضال” الذي تم أسره تحت بند (الاعتقال الإداري) بمعنى السجن دون وجود أي تهمة تدين الأسير، ولا يتوقف الأذى عند الأسير/السجين فقط، بل وما يطال الأذى أهل الأسير وعائلته: “فوق تعسف الحكم الإداري، يحرموننا من زيارة الأقارب… وإن سمحوا للأقارب بالزيارة، يحددونها فقط بالقرابة من الدرجة الأولى، وإن حصلت الزيارة يمنعون اصطحاب الأطفال، وإن جاء الأطفال يعرقلون دخولهم، وإن دخلوا يمنعون العناق والقبل والصور، إنها حروب نفسية متتالية نتلقاها يوميًا” ص56، بهذا المشهد نكون أمام صورة واضحة عن طبيعة الاحتلال والوحشية التي يقترفها بحقنا وحق أسرانا.

العنوان


نلاحظ أن الساردة اختارت عنوانين للرواية، سلالة من طين، غزة الباكية، فالرواية تتناول حياة أسرة فلسطينية (عادية) وهذا ينطبق على الجزء الأول من العنوان “سلالة من طين” فهناك حياة أسرى وما فيها (الخلافات اجتماعية) بين مريم وزوجها، الأب وطريقة تعامله من الأم ومريم وآدم، أما الجزء المتعلق بدموية الاحتلال ووحشيته فنجده في “غزة الباكية” حيث تصف لنا الساردة هول الأحداث، وهذا ما جعلها تنفعل وتجعل عنوان بهذه الصورة المزدوجة “سلالة من طين، غزة الباكية”


وإذا ما توقفنا عن المذكر “طين” وما يحمله من قسوة وبين مظلومية الأنثى “غزة الباكية” نصل إلى انحياز الساردة للأنثى ووقوفها ضد قسوة الذكر/الطين.

الأسماء


تستخدم الساردة أسماء شخصيات تخدم فكرة المقاومة : “نضال، أبا الوفا، أبا يافا، أبا كرم، كفاح” وهناك أسماء تشير إلى ثقافتها الدينية: “”آدم، إبراهيم، يوسف، مريم، وأسماء متعلقة بالحالة الاجتماعية رضا، هبة، الدكتور أمين، أم صابر، شفا”
بصرف النظر على فاعلية هذه الشخصيات وتأثيرها في أحداث الرواية، يبقى وجود أسمائها المجرد، وما يحمله الاسم من معنى شكل من أشكال إيصال فكرة الرواية، فعندما أماتت الساردة “يوسف ومريم” وهما من الشخصيات الدينية المحبوبة عند كل الناس، أرادت إيصال فكرة الظلم الذي حصل ويحصل لمن نحبهم، للأبرياء ورحيلهم قبل الأوان.

وعندما أبقت كل أسماء الشخصيات المقاومة “نضال، أبا الوفا، أبا يافا، أبا كرم، كفاح” في الأسر، أوصلت فكرة للمتلقي عند طبيعة الشعب الفلسطيني المقاوم، وكيف أن الاحتلال يعتقل، يقتل كل من يقول لا.

وتأكيد على علاقة الأسماء بالأحداث وبتركيبة الشخصيات، نجد “آدم” ينتقل نقلة نوعية بعد أن سمع باسم “هبة” بمساعدة “الدكتور أمين” فيقرر خطبتها، وتنقله من حالة التشاؤم والألم إلى حالة الرغبة في الحياة والاستمتاع بها:
“ـ دير بالك عل حالك يا حبيبي… قدامنا أيام كثير حلوة


ـ إن شاء الله… إذا بنستشهد بنتزوح في السماء
ـ آآآخ.. خلينا بالأول نتزوج في الأرض وبعدها بنتزوج في السما” ص161، فقد عملت “هبة” على تغيير مفاهيم “آدم” عن الحياة، إضافة إلى تفجيره عاطفيًا، فوجودها في حياته جعله يندفع (ليعوض) “أمه وأخته مريم” الظلم الذي وقع عليهما، من خلال تعامله الرقيق والناعم مع “هبة”

السرد


جاء السرد الروائي من خلال سارد الخارجي/العليم، ومرغم (سطوة) الساردة على الأحداث والشخصيات، إلا أنها أعطت الشخصيات هامش جيد لتتحدث بما تريد وتبدي وجهة نظرها بحرية، من هنا وجدنا صوت الأب ومنطقه في أكثر من مشهد.

الرواية من منشورات الرقمية للنشر والتوزيع الالكتروني، فلسطين، القدس، الطبعة الأولى 2025.

شاهد أيضاً

المنظمات الاهلية تستنكر تهديدات الاحتلال بحق سفينة مادلين التضامنية وتطالب بتدخل دولي لحمايتها

المنظمات الاهلية تستنكر تهديدات الاحتلال بحق سفينة مادلين التضامنية وتطالب بتدخل دولي لحمايتها

شفا – تستنكر شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية تهديدات الاحتلال باعتراض ومهاجمة سفينة مادلين التضامنية عند …