8:05 صباحًا / 6 يونيو، 2025
آخر الاخبار

يوم عرفة ، تاج أيام الدهر وموعد مع الدعاء والمغفرة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

تهاني رفعت بشارات

يوم عرفة ، تاج أيام الدهر وموعد مع الدعاء والمغفرة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

يوم عرفة، هو التاسع من شهر ذي الحجّة، درّة العقد في أيام العشر، وذروة النفحات الربانية التي تُشرِّف الزمان والمكان. هو يوم الوقوف الأعظم، حيث ترتفع الأكف، وتخشع القلوب، وتُهراق العبرات على جبل الرحمة، متوسلة إلى الله تعالى بطهر النفوس وصفاء القلوب، هو الموعد السنوي الذي تجتمع فيه البشرية على صعيد واحد، تذرف الدموع، وتُناجي الرحمن. هو اليوم الذي يسبق يوم النحر، ويُعد ثاني أعظم أيام العام بعده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ، ثمَّ يومُ القَرِّ”، فجعل لعرفة مكانة سامقة في مراتب الفضل والكرامة.

وقد أقسم الله جلّ وعلا بهذا اليوم في سورة الفجر: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، فشرف الزمان والمكان لا يكون إلا لعظيم، وجاءت “ليالٍ عشر” نكرة لتعظيم شأنها، فدلّ ذلك على رفعة قدرها وعظيم أثرها في حياة المؤمن. ويوم عرفة، في قلب هذه الليالي المباركات، هو يوم تجديد العهد مع الله، ويوم تتصافى فيه الأرواح، وتصفو فيه السرائر، وترتفع فيه الأعمال، وتُفتح فيه أبواب السماء للراجين والداعين والمستغفرين.

وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشْرِ”، وأيّ فضلٍ أعظم من أن يكون العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله تعالى من الجهاد في سبيله، إلا أن يخرج الرجل بنفسه وماله فلا يرجع من ذلك بشيء. إنها دعوة مفتوحة لكل مؤمن ليغتنم هذا اليوم، ويملأ صحيفته بالطاعات، من صيام، وذكر، ودعاء، واستغفار، وتوبة، وخشوع قلب، ودمعة صدق.

ومن أعظم ما يُستحب في يوم عرفة، الصيام لغير الحاج؛ فهو يكفر ذنوب سنتين، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”. وهل من فضل أعظم من هذا الفضل؟! يوم واحد يمحو زلات عام مضى، ويضيء عاماً قادماً بنور الطاعة والرجاء.

ويوم عرفة هو يوم التوبة والاستغفار، يوم الاعتراف بالتقصير والانكسار بين يدي الجبار، يوم يُنادى فيه: “أفيضوا مغفوراً لكم”. وفيه يُستحب الإكثار من قول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”، فهو دعاء الأنبياء في يوم عرفة، كما قال الرسول الكريم: “خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ”.

وفي يوم عرفة، تستشعر النفس قصر الأمل، وسرعة الأجل، فيرقّ القلب، ويخضع اللسان، وتتسارع الخطى إلى أبواب الطاعة. هو يوم يُشعر العبد فيه بضعفه أمام جبروت الله، ويقرّ فيه بفقره بين يدي من لا يخذل من رجاه، ولا يرد من ناداه. يوم تعلو فيه الهمم لتبلغ عنان السماء بدعوات صادقة، وقلب منكسر، ونفسٍ مؤمنة بوعد الله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.

ما أروع أن يبدأ المسلم يومه فيه بالاستغفار، وأن ينظر إلى السماء بعين التائب، ويقول من قلبه: اللهم انقلني من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمّن سواك، ونوّر قلبي وقبري، واغفر لي من الشر كله، واجمع لي الخير كله، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، أستودعك مني ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأماناتنا وخواتيم أعمالنا، وأقوالنا وأبداننا وجميع ما أنعمت به علينا.

يوم عرفة ليس يوماً عادياً، بل هو نفحة من نفحات الجنة تهبّ على الأرض، فمن شمّها عرف السكينة، ومن تنفّسها تنزّه عن هموم الدنيا، ومن اغتنمها صار من أهل الرضا والنجاة. هو موعد مع الرحمة، مع المغفرة، مع التغيير الحقيقي من الداخل، مع عزيمة أن نكون عباداً صالحين لا يلتفتون إلى الوراء، ولا يتعثرون بالذنوب، بل يمضون إلى الله خاشعين، شاكرين، تائبين.

اللهم في هذا اليوم الفضيل، يوم عرفه، يوم تُجاب فيه الدعوات، وتُقال فيه العثرات، وتُعتق فيه الرقاب من النار، اللهم افرجها على أمة محمد، وانصر المستضعفين، وأكرم من دعاك، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، إنك قريب مجيب الدعاء.

شاهد أيضاً

الاحتلال يرفض تسليم الحرم الإبراهيمي في أول أيام عيد الأضحى

الاحتلال يرفض تسليم الحرم الإبراهيمي في أول أيام عيد الأضحى

شفا – رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تسليم الحرم الإبراهيمي الشريف بمرافقه وساحاته وأبوابه في أول …