
سلفيت جغرافيا يلتهمها الاستيطان من سرطة إلى بروقين ، بقلم: د. عمر السلخي
في محافظة سلفيت، وتحديدًا في بلدات سرطة وبروقين وكفرالديك وحارس، لا يمكن الحديث عن الحياة اليومية دون أن ترتبط بالخوف، الحصار، ومشهد الجرافات الذي بات جزءًا من روتين الصباح ،لا تُعامل هذه القرى كمجتمعات بشرية، بل كما لو كانت عوائق مؤقتة في طريق المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، يجب تجاوزها بأي وسيلة.
سرطة: التهام الأرض تحت حماية السلاح
في صباح يوم الإثنين، استيقظ أهالي قرية سرطة الواقعة غرب سلفيت على وقع جرافات المستوطنين المدججين بالسلاح، وهي تواصل تجريف أراضيهم في الجهة الجنوبية من القرية. على بعد أقل من 200 متر فقط من منازل السكان، تُنتزع الأرض وتُقتلع الأشجار تحت حماية جيش الاحتلال، ضمن مشروع توسعي جديد يُخشى أن يكون امتدادًا لمخطط استيطاني متكامل يربط بين المستوطنات والبؤر الاستيطانية في محيط شارع ما يعرف ب عابر السامرة.
يقول رئيس مجلس قروي سرطة، الأستاذ علاء صلاح، إن ما يحدث ليس فقط تعديًا على ملكية خاصة، بل “محاولة منهجية لفرض واقع استيطاني جديد، يجبر السكان على الرحيل القسري البطيء تحت ضغط الخوف والملاحقة والتضييق”.
حارس و كفرالديك : اغلاق المداخل…والعقوبة جماعية
في الجهة الشمالية من سلفيت، قرية حارس والجهة الغربية كفرالديك ، ليستا بمنأى عن آلة القمع ذاتها. مدخل حارس مغلق منذ أكثر من شهرين ومدخل كفرالديك التاريخي الغربي مغلق بوابة حديديه منذ ٧ اكتوبر دون أي سبب واضح سوى ما يُعرف بـ”العقاب الجماعي”، وهو نهج إسرائيلي معتاد في التعامل مع التجمعات الفلسطينية.
الفلسطينيون في حارس وكفرالديك، كما في قرى أخرى، يُجبرون على قطع مسافات طويلة والمرور بطرق التفافية وعرة، يهدرون وقتهم ووقودهم، بينما المستوطنون يُمنحون طرقًا واسعة، مُضاءة، وآمنة تمر من أراضي الفلسطينيين ذاتها.
إسرائيل، بأوامر واضحة من مجالس المستوطنات حولت قرى وبلدات محافظة سلفيت الى كنتونات، تُغلق حين تشاء وتُنسى لأشهر، في مشهد يُجسد غياب الحد الأدنى من الإنسانية، وغياب المساءلة الدولية التامة.
بروقين: من خيمة استيطان تُدار سياسة المنطقة
أما في بروقين، المشهد أكثر وضوحًا لمدى تعمّق المشروع الاستيطاني وعلانية تنفيذه. في خيمة أقامها رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي داغان بين منازل الفلسطينيين، يُتخذ القرار في قضايا مصيرية تخص الأرض والمستقبل.
هذه الخيمة ليست مجرد موقع احتجاج أو ضغط سياسي، بل مركز تخطيط استيطاني شامل، يدير منه داغان ما يشبه “القيادة الميدانية” لتحقيق حلمه المعلن: مليون مستوطن في السامرة وحدها.
قبل أيام، وقع داغان داخل هذه الخيمة اتفاقية مع وزير البناء والإسكان الإسرائيلي لإنشاء 15 مستوطنة جديدة و5 مناطق صناعية، على وقع جرافات تواصل تجريف أراضي بروقين لتسويتها تمهيدًا للبناء الاستيطاني.
البيئة الطاردة للفلسطيني، والجاذبة للمستوطن
الاستراتيجية واضحة ومركبة:
تهجير الفلسطينيين عبر الحصار، منع البناء، سحب التراخيص، إغلاق الطرق، وهدم البيوت.
استجلاب المستوطنين عبر شق الطرق، تطوير البنية التحتية، تقديم الإنترنت الأسرع في العالم، وفتح مناطق سياحية داخل المحميات الطبيعية الفلسطينية.
من أبرز المشاريع التي يشرف عليها داغان وتُغيّر معالم الضفة الغربية:
شارع حوارة الالتفافي
شارع الفندق الالتفافي
مجمع باصات شرق مستوطنة أرئيل
مشاريع الربط التكنولوجي والبنى التحتية
دعم المستوطنات الرعوية للسيطرة على الجبال وطرد الرعاة الفلسطينيين
مشروع إحلالي صامت وممنهج
بين جرافة في سرطة، وشارع مغلق في حارس وكفرالديك، وخيمة قرارات في بروقين، ترسم إسرائيل حدود وجودها القادم، لا عبر التفاوض ولا عبر القانون، بل عبر الأمر الواقع المدعوم بالقوة. في الوقت الذي يُمنع فيه الفلسطيني من بناء بيت، تُبنى فوق أرضه مستوطنة. وفي حين يُغلق عليه مدخل قريته، يُفتح للمستوطن طريق جديد.
المطلوب اليوم ليس فقط تسجيل هذه الاعتداءات، بل إطلاق تحرك شعبي ميداني وتحرك سياسي وقانوني وإعلامي شامل، محليًا ودوليًا، لإعادة فتح النقاش حول مستقبل الفلسطيني في وطنه، قبل أن يُصبح الحديث عن الأرض مجرد ذكريات موثقة في دفاتر الخرائط القديمة.

