
بين الصورة والإشاعة ، كيف تُستخدم الخرائط والصور في إذكاء الفتن على وسائل التواصل؟ بقلم : د. عمر السلخي
في زمن السرعة الرقمية، لم تعد الإشاعات تُروى همسًا في الزوايا الضيقة، بل باتت تنتشر كالنار في الهشيم عبر مجموعات “الواتس آب” وصفحات “الفيسبوك” ودوائر “السوشال ميديا”. تتعدد أدوات التضليل، لكن أخطرها تلك التي تعتمد على الصور والخرائط، خاصة عندما تُستخدم خارج سياقها أو تُحرّف عمدًا لزرع الفتنة وإثارة البلبلة.
الصورة لا تكذب… ولكن يمكن أن تُضلل
مع تطور تقنيات التصميم والذكاء الاصطناعي، أصبحت فبركة الصور أسهل من أي وقت مضى. صورة واحدة لمنزل مهدم، أو خريطة تظهر تقسيمًا مزعومًا، كفيلة بإثارة مشاعر الغضب والخوف. وللأسف، فإن كثيرين لا يتحققون من مصدر الصورة أو تاريخها قبل أن يعيدوا نشرها، مما يجعلهم أدوات غير مقصودة في نشر الإشاعة.
“نسخ – لصق”: سلاح الإشاعة المجاني
من أخطر أشكال تناقل الأخبار، هو أسلوب “نسخ ولصق” المتبع في المجموعات والمحادثات الخاصة. مجرد رسالة تُنسخ من جهة مشبوهة وتُنشر دون تحقق، تُسهم في تغذية الانقسام المجتمعي. لا يتطلب الأمر أكثر من بضع كلمات مدعومة بصورة أو خريطة “تبدو حقيقية” لخلق رواية مزيّفة تقوّض الثقة بين الناس.
الخرائط كأدوات تضليل
كثيرًا ما تُستخدم الخرائط، خاصة في القضايا الحساسة مثل الاستيطان أو التقسيم الإداري، بطريقة مضللة. قد تُرسم حدود لا أساس لها من الواقع، أو يُشار إلى مناطق على أنها “خارج السيطرة” لزرع الهلع. هذه الخرائط، حين تُتداول دون توضيح، تفتح أبوابًا للفتنة بين مكونات المجتمع، وتضعف السردية الوطنية الجامعة.
مداخل الفتنة: جهل المتلقي وسرعة التفاعل
الإشاعة لا تنتشر فقط لأنها ذكية، بل لأنها تجد بيئة جاهزة: متلقين يفتقرون للوعي الإعلامي، وحالة عامة من التوتر والقلق، وسرعة كبيرة في إعادة النشر دون تمحيص. وفي ظل هذا الواقع، يتحوّل الإعلام المجتمعي من أداة تواصل إلى أداة تفكيك.
مسؤوليتنا الجماعية
لمواجهة هذه الظاهرة، لا يكفي أن نحذر من الإشاعات، بل يجب أن نُحصّن المجتمع معرفيًا وإعلاميًا. على المدارس والمؤسسات والبلديات وحتى العائلات أن تُعزز ثقافة التحقق، وأن تزرع في الجيل الجديد القدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل. ففي عصر الصور والخرائط الرقمية، لا يكون الخطر في السلاح وحده، بل في المعلومة المضلِّلة.
