12:47 صباحًا / 26 مايو، 2025
آخر الاخبار

هلسنكي والتمويل الناعم ، إعادة تشكيل الوعي تحت الطوارئ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

هلسنكي والتمويل الناعم ، إعادة تشكيل الوعي تحت الطوارئ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

هلسنكي والتمويل الناعم: إعادة تشكيل الوعي تحت الطوارئ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

في الوقت الذي كان فيه العالم ينظر إلى التعليم في حالات الطوارئ كـ”شريان حياة للمستقبل”، كما جاء في عنوان مؤتمر هلسنكي (مايو 2025)، كان صوت فلسطين يُسمع لا من منبر الصياغات الدبلوماسية، بل من بين أنقاض مدارس قصفت، ومعلمين اغتيلوا، وطلبة حوصروا بالرماد والأسلاك. لقد قدّم وكيل وزارة التربية والتعليم الفلسطيني شهادة نادرة الصدق، حملت همّاً تربوياً وسياسياً ووجودياً في آن، محدداً أن التعليم في فلسطين ليس فقط متضرراً من “الطوارئ”، بل هو مستهدف ممن يُنتج الطوارئ ذاتها.

لكن، رغم هذه الشهادة التي خرجت من فم النار، لم نجد في البيان الختامي للمؤتمر أي دعوة صريحة لمساءلة الاحتلال أو حماية الحق في التعليم من الاستهداف المنهجي. كان الصمت على السياق السياسي استلاباً للشرعية الأخلاقية التي يدّعيها المؤتمر، وكأن القضية الفلسطينية قد جُردت من اسمها لتُدرج فقط كواحدة من “سياقات الأزمة”.

مفارقة البيان الختامي: إنسانية بلا عدالة:


لقد احتوى البيان على توصيات تبدو واعدة: الاعتراف بالتعليم كحق، المطالبة بتمويل مرن، التركيز على الدعم النفسي والاجتماعي، حماية الفئات المهمشة، وتعزيز الشراكات. ولكن حين نضعها في الميزان الفلسطيني، تنقلب النوايا إلى مفارقات:

  • الحق في التعليم دون تسمية الجاني، يصبح تعويماً أخلاقياً لا يوقف الرصاص.
  • التمويل المشروط، يتحوّل من وسيلة إنقاذ إلى أداة ناعمة لإعادة تشكيل المناهج والوعي.
  • الدعم النفسي للطلبة والمعلمين، يصبح عزاءً حين يُفصل عن مشروع وطني يُنهي أسباب القهر.
  • التركيز على الفئات المهمشة، يُغفل أن الاحتلال يحوّل المجتمع الفلسطيني بأكمله إلى هامش مضغوط.
  • الدعوة إلى الشراكة، تغيب عنها الندية، وتُصاغ أحياناً بروحٍ استعمارية معرفية، تُعيد تعريف ما يجب أن “يعرفه” الفلسطيني.

فلسطين: حالة استعمار لا حالة طوارئ فقط:


إن ما لا تراه مخرجات هلسنكي أن الطوارئ في فلسطين ليست حادثة عارضة، بل هي شكل من أشكال الحكم، تُدار منذ عقود لإنتاج تربية مقهورة ومنضبطة. ولذلك، فإن أي حديث عن إصلاح التعليم الفلسطيني دون كسر هذا الإطار البنيوي، هو تكرار للمأساة باسم الإنسانية.

التعليم الفلسطيني لا يريد أن يُعامل كـ”ملف إنساني”، بل كـ”حق تحرري”. لا نريد تمويلاً بلا سيادة، ولا دعماً نفسياً بلا كرامة، ولا توصيات بلا مساءلة. نريد تعليماً يعترف بالسياق ويعيد الوصل بين المعرفة والحرية.

من يكتب البيان البديل؟


حين يغيب صوت العدالة من بيانات المؤتمرات، يصبح لزاماً علينا كفلسطينيين أن نكتب بياننا البديل: بياناً لا ينكر جراحنا، لكنه يرفض أن تُدار جراحنا من خارجنا. نحن لا نحتاج فقط إلى تضامن، بل إلى اعتراف. لا نحتاج فقط إلى دعم، بل إلى حق تقرير المصير التربوي.

إن التعليم الفلسطيني ليس حالة إغاثية… إنه قضية وجود، نريد تعليماً لا ينجو من الطوارئ فحسب، بل ينتصر عليها. وهذا لن يكون إلا حين تُصاغ السياسات من قلب الواقع، لا من طاولات بعيدة لا تسمع أصوات الصباح في مدارس بلا نوافذ، فالتعليم، كما قال أحد الأطفال في خيمة مدرسية بغزة، “ليس ملجأً من الحرب فقط، بل طريق للعودة”

شاهد أيضاً

جبهة التحرير العربية تنعى القائد الوطني وليد عساف

شفا – نعت جبهة التحرير العربية القائد الوطني الكبير وليد عساف ، وقالت “الجبهة” في …