8:43 مساءً / 24 مايو، 2025
آخر الاخبار

قراءة انطباعية لرواية لعنة الصفر ، للاستاذة الكاتبة حنين نصار، بقلم : د. تهاني بشارات

قراءة انطباعية لرواية ، لعنة الصفر ، للاستاذة الكاتبة حنين نصار، بقلم : د. تهاني بشارات

قراءة انطباعية لرواية لعنة الصفر ، للاستاذة الكاتبة حنين نصار، بقلم : د. تهاني بشارات

رواية تنبض بالفن والدهشة: قراءة نقدية في عوالم الجمال واللغة والأسلوب من العنوان حتى الخاتمة

حين تشرع في قراءة هذه الرواية، تشعر أنك لا تقرأ مجرد كلمات، بل تغوص في نهر لغوي جارٍ، تتلألأ فيه الدهشة كنجومٍ على صفحة ماء، تتراقص فوقه الصور الفنية والتشبيهات المبتكرة كما ترقص الفراشات على نوافذ الضوء. منذ العنوان الأول وحتى الصفحة 293، نحن أمام عمل أدبي ناضج، مكتوب بريشة فنانٍ متمرس، يمزج بين الحكي والتأمل، بين التوصيف الشعري والواقع الحي، فيغدو القارئ أمام مرآة لا تعكس صور الأبطال فحسب، بل تعكس ذاته وتفتح بوابات التأمل في الحياة والهوية والوجود.

الإهداء: بوابة الروح إلى الحكاية

في الإهداء، تستقبلنا الكاتبة بكلمات تنبض بالعاطفة، وكأنها تفتح للقراء بابًا من أبواب القلب، تقول فيه للعالم: “هذه كلماتي كتبتها بدم الحنين، فخذوها برفق.” كان الإهداء بمثابة نبض أول، موسيقى تمهيدية تطربك قبل الدخول إلى المسرح الكبير الذي تنتظرك فيه الأحداث والشخصيات، وقد أحسنت الكاتبة حين جعلت الإهداء يتموضع بين الذاتي والإنساني، فجمع بين خصوصية البوح وعمومية الشعور.

اللغة والأسلوب: حياكة من حرير ونار

اللغة في هذه الرواية ليست مجرد أداة للسرد، بل هي كائن حي، يتنفس مع كل سطر، يئن مع ألم الشخصيات، ويبتسم حين يبتسم القدر. لقد استعانت الكاتبة بلغة شاعرية قوية، تتوشح بثوب بلاغي أخّاذ، تأخذ من البيان العربي شموخه ومن الحداثة رشاقتها، فتخرج بجمل مشبعة بالعاطفة، وصور لغوية تتفتح كزهور الربيع على قارعة التأمل.

الأسلوب السردي جاء مشوقاً، متنوعًا، يجمع بين الحوار الداخلي والتأملات النفسية والسرد الخارجي، فتجد نفسك متأرجحًا بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، دون أن تفقد الاتجاه. بل كانت هذه التنقلات مدروسة بعناية، مما يعكس مهارة سردية عالية وقدرة على الإمساك بخيوط الحكاية دون ارتباك أو تشتت.

الشخصيات: مرايا الروح والنضوج

الشخصيات في الرواية ليست نماذج سطحية، بل هي أعماق سحيقة، كأن الكاتبة حفرت في طبقات النفس البشرية، وخرجت لنا بشخصيات تنبض بالصدق. كل شخصية تتشكل كما تتشكل الغيوم: مختلفة، غير قابلة للتكرار، وفيها من الألم ما يكفي ليصير كل قارئ مرآةً لها.

الحوارات جاءت حيّة، نابضة، تحمل طابعاً إنسانياً عميقاً، بعيداً عن الابتذال أو التصنّع، وكأن الشخصيات لم تُكتب بل تحدّثت بنفسها.

البنية الفنية والتقنية: نسجٌ إبداعي متقن

امتلكت الرواية بنية فنية مدروسة، من حيث التمهيد والتصاعد والتوتر وحتى الذروة، وقد جاءت الحبكة محكمة، تُراكم الأحداث بسلاسة دون ترهل، وتمهد لكل مشهد بطريقة ذكية، حتى يبلغ القارئ الذروة وهو مشدود كوتر آلة موسيقية لا يريد لها أن تصمت.

الفصول تتوزع بتوازن، ولكل فصل نبضه الخاص، وشخصيته المتفردة، مما يجعل القارئ في حالة ترقب دائم، وكأن الرواية لا تُقرأ بل تُعاش.

عُمر وإيلاف: وجدانان يعبران الصمت والحياة

في قلب هذا النسيج الروائي المتين، يتألّق عُمر ككائن من ضوءٍ حائر، يقف عند ضفاف الحنين، يحاور الغياب كما يحاور المرء ظلّه في مساءٍ طويل. هو ليس مجرد بطل، بل مرآة تعكس انكسارات جيل، وضياع حلم، وتوق عارم للثبات في عالمٍ متحوّل. عُمر فتى مراهق محكوم بالذاكرة، مقيمٌ في المنفى الداخلي، يحمل فوق كتفيه عبء الأسئلة الثقيلة، ويتلمّس طريقه بين الحنين والانكسار كما يتلمّس العاشق وجه من يحب في الظلام. شخصيته لا تُرسم بخطوط واضحة، بل تتشكل ببطء، كما تتكوّن الحروف على زجاجٍ مبلل بالندى. يقاوم التهميش بالحب، ويقاوم الانطفاء بالتأمل، فهو رمز الصراع الإنساني بين ما نريد وما هو ممكن.

أما إيلاف، فهي أنثى بحجم القصيدة، امرأة تمشي في النص كما تمشي الأغنية في صدر عازفها. مزيجٌ من البراءة والعناد، من الألم والأمل، من الحضور الكثيف والغياب العاصف. إيلاف ليست مجرد شخصية؛ بل فكرة، حالة، طيفٌ من الحرية والتمرد والوفاء. كانت تجسيداً للأنثى الواعية، التي تُحب بصدق، وتواجه الحياة بصلابة لا تخلو من الرقة. في كل مشهد تمر فيه، تترك أثراً لغوياً وإحساسياً لا يُمحى، وكأن الكاتبة أرادت أن تجعل منها نغمة مستمرة، لا تنطفئ في لحن الرواية. بين عُمر وإيلاف، تنشأ علاقة ليست رومانسية تقليدية، بل علاقة تأملية عميقة، كأنهما سطران في كتابٍ واحد، لا يكتمل أحدهما دون الآخر، وإن افترقا في الشكل، التقيا في المعنى.

النهاية في الصفحة 293: خاتمة تشبه زهرة ياسمين فتحت بعد العاصفة

أما الخاتمة، فهي قصيدة من دهشة، كتبتها الكاتبة بأنامل القلب لا القلم. في الصفحة 293، نصل إلى نهاية لا تغلق الحكاية، بل تفتح نافذة على ضوء بعيد، تترك القارئ بين الرضا والحنين، بين الاكتمال والاحتمال. هي نهاية كتلك التي تنزل مطراً خفيفاً بعد موسم جفاف، فيغدو النص بمثابة وعدٍ جديد، بأن الأدب الحقيقي لا ينتهي، بل يبدأ من حيث تنتهي الصفحات.

لقد أحسنت الكاتبة حين جعلت النهاية مفتوحة على التأويل، متصالحة مع الغياب والحضور، وتمنح القارئ فسحة من التفكير والارتجاف العاطفي في آنٍ واحد.

هذه رواية تُقرأ بالقلب قبل العين

إننا أمام عمل روائي يستحق التقدير والثناء، ليس فقط لأنه مكتوب بلغة شعرية مدهشة، أو لأنه يحمل أسلوباً سردياً محكماً ، بل لأنه يلمس روح القارئ، ويدعوه إلى رحلة إنسانية ممتعة ومؤثرة. هي رواية تُقرأ بالقلب قبل العين، وتُكتب في الذاكرة لا في الدفاتر.

كل التحية لهذه الكاتبة التي أبدعت في صياغة عالمها الروائي كما يصوغ النحات تمثالاً من الرخام، ليبقى خالداً في ذاكرة الجمال.

شاهد أيضاً

حزب الشعب يدين استمرار نهب المساعدات في قطاع غزة ويطالب برفع الغطاء الوطني والمجتمعي عن المتورطين

شفا – أعرب حزب الشعب الفلسطيني عن تنديده الشديد بعمليات السطو المسلح والنهب والسرقة التي …