نهر اليانغتسي ، شريان الصين الذهبي نحو تنمية عالية الجودة ، بقلم: ريماس الصينية

23 مايو، 2025 أقلام و آراء

يعد نهر اليانغتسي، أطول نهر في الصين وثالث أطول نهر في العالم، شريانا حيويا يعبر 11 مقاطعة ومدينة من سيتشوان وتشونغتشينغ في الغرب إلى شانغهاي في الشرق. ويغطي “حزام نهر اليانغتسي” أكثر من 21.4% من مساحة الصين ويقطنه أكثر من 600 مليون نسمة، ما يجعله أحد أكثر المناطق ديناميكية من الناحية الاقتصادية تماعية في البلاد.

ومع دخول الاقتصاد الصيني مرحلة جديدة، بات التحول من النمو السريع إلى التنمية العالية الجودة أولوية وطنية، ويعد هذا الحزام الجغرافي مركز هذا التحول، كما شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ بقوله:

“علينا أن نلتزم بالحماية الشاملة دون استغلال مفرط، وأن نعطي الأولوية للبيئة والتنمية الخضراء، مع الابتكار التكنولوجي كقائد، والتنسيق بين حماية البيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد لبناء أساس مستقر لتعزيز التنمية العالية الجودة لحزام نهر اليانغتس.”

حماية البيئة والتنمية الخضراء: أساس التنمية المستدامة

واجه نهر اليانغتسي على مدى عقود تدهورا بيئيا حادا بفعل التلوث الصناعي والزراعي والنقل النهري، مما أضر بجودة المياه والتوازن البيئي. وردا على هذه التحديات، أطلقت الحكومة الصينية استراتيجية ” التنمية في ظل الحماية “، لتصحيح مسار التنمية في الحوض.

أبرز الإجراءات شملت:

حظر الصيد لمدة عشر سنوات لإعادة التوازن البيئي واستعادة التنوع البيولوجي.
تحويل الصيادين إلى حماة بيئيين بدعم حكومي.
إغلاق آلاف المصانع الملوثة ضمن نطاق كيلومتر واحد من النهر، كما فعلت مقاطعة جيانغسو.
استعادة الأراضي الرطبة وإنشاء ممرات بيئية وحدائق عامة على ضفاف النهر، بما يجسد شعار “إرجاع النهر للشعب”
وقد ساهمت هذه الجهود في تحسن ملحوظ للنظام البيئي، وعودة المياه النظيفة إلى مجراها الطبيعي، ما أسهم في تأسيس قاعدة بيئية متينة للتنمية المستقبلية.

الابتكار: المحرك الجديد للتحول الاقتصادي

في الماضي، اعتمدت منطقة نهر اليانغتسي على الصناعات التقليدية كثيفة الطاقة، لكن التحول اليوم يقوده الابتكار التكنولوجي، حيث برزت صناعات حديثة مثل التصنيع الذكي، والسيارات الكهربائية، والاقتصاد الرقمي.
من أبرز النماذج:

تشونغتشينغ وتشنغدو في تطوير التصنيع الذكي والاقتصاد الرقمي.
ووهان وخفي كمراكز للابتكار في البصريات والذكاء الاصطناعي.
شانغهاي وسوتشو وهانغتشو كمحاور للبحث والتطوير على المستوى العالمي.
كما عززت الحكومات المحلية منظومات الابتكار بإنشاء مناطق تطوير عالية التقنية، وحاضنات أعمال، ومختبرات بحثية، ودمجت سلاسل الإبداع بالصناعة والتمويل ورأس المال البشري.

التكامل الإقليمي: نحو تنمية منسقة وقوة تنافسية أكبر

يمتد حزام نهر اليانغتسي عبر مناطق شرق ووسط وغرب الصين، ويعد التكامل الإقليمي عنصرا محوريا في استراتيجيته.
في عام 2025، تعتزم شانغهاي إطلاق 12 تجمعا ابتكاريا عابرا للمقاطعات، يشمل 34 مدينة على طول الحزام. أما في دلتا النهر، فقد تم تشكيل “حلقة صناعية خلال أربع ساعات تتيح تجميع مكونات السيارات خلال ساعات فقط، ما يبرز كفاءة التوزيع الصناعي.

من الناحية اللوجستية، أصبح حزام نهر اليانغتسي العمود الفقري للنقل النهري في العالم:

في عام 2024، تجاوز حجم شحن موانئه 4 مليارات طن، متصدرا الأنهار الداخلية عالميا.
ميناء غوييوان في تشونغتشينغ بات نموذجا للنقل المتعدد الوسائط، بفضل الربط بين قطارات الصين-أوروبا والنقل النهري.
ميناء يانغلوج في ووهان يعزز التكامل بين النقل البري والنهري، ويدعم دخول المنطقة الوسطى في الشبكة اللوجستية العالمية.
ومع تمديد قناة اليانغتسي العميقة حتى آنكينغ، بات بإمكان السفن الكبيرة الوصول إلى داخل البلاد، مما رفع كفاءة النقل وخفض تكاليف اللوجستيات.

حزام اليانغتسي: نموذج الصين في التنمية المستدامة

يمثل حزام نهر اليانغتسي نموذجا متكاملا للتنمية عالية الجودة في الصين، حيث تلتقي حماية البيئة مع الابتكار العلمي والتكامل الإقليمي. إنه ليس مجرد منطقة اقتصادية، بل منصة استراتيجية تعكس تطور الصين من نموذج نمو كمي إلى نموذج نوعي ومستدام.

وبينما تمضي الصين قدما نحو تحديث نموذجها التنموي، سيواصل هذا الحزام لعب دور ريادي في بناء اقتصاد حديث ومنفتح، يوازن بين الإنسان والطبيعة، والتكنولوجيا والنمو، والمحلية والعالمية.