
الدكتور الفاضل معاذ اعمر ، عنوانٌ للأكاديمية الراقية والأثر الطيّب ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في مسيرتنا العلمية، نلتقي بأشخاصٍ لا يُشبهون غيرهم، تمرّ كلماتهم على الفكر فتضيئه، وتعاملهم على القلب فيسكُن فيه أثراً لا يُنسى. ومن بين أولئك الذين سعدت بمعرفتهم وتشرفت بالتعامل معهم، كان الدكتور الفاضل معاذ أعمر، الأكاديمي المتميز، والباحث الجاد، والإنسان المتواضع الذي يُجسّد المعنى الحقيقي للعطاء العلمي الراقي.
كان لي شرف اللقاء به في رحاب جامعة فلسطين التقنية – خضوري بمدينة طولكرم، حينما دُعيت كممتحن خارجي لمناقشة رسالة ماجستير للطالبة فرح محمد عبد الفتاح جلاد، يوم الأربعاء الموافق 23 أبريل 2025، عن رسالتها الموسومة:
“The Extent to Which Vocational Subject Teachers in Palestine Possess Knowledge Economy Concepts and Professional Maturity”
“مدى امتلاك معلمي ومعلمات المباحث المهنية في فلسطين لمفاهيم اقتصاد المعرفة والنضج المهني”
وقد أُنجز هذا العمل العلمي بإشراف كريم من الدكتور معاذ أعمر والدكتور مراد عوض الله، وبمشاركة علمية راقية من الدكتور هشام شناعة كممتحن داخلي، وبحضور كريم لعميد كلية الدراسات العليا الدكتور سامر عرقاوي.
لقد كان اللقاء حافلاً بروح العلم، ومفعماً بنضج البحث، وعمق الطرح، والقدرة على الربط بين المفاهيم الحديثة والواقع التربوي الفلسطيني. وكان النقاش في قمة الرقي والاحترام، يعكس خلفية أكاديمية متينة، ويُبرز ملامح الإبداع والجدية، سواء من الطالبة الباحثة أو من إشرافٍ علمي مميز ترك بصمة واضحة.
وما لفتني، إلى جانب الجهد البحثي الرصين، هو شخصية الدكتور معاذ اعمر… تلك الشخصية التي تفيض بالاحترام، والتواضع، والرقي العلمي. فهو لا يتعامل مع العلم كمادة جامدة، بل كرسالة تُنقل بفكرٍ نقي، وضميرٍ حيّ، وذوقٍ راقٍ. يُتقن الحضور، ويُجيد التواصل، ويمنح من حوله شعوراً بالثقة والاحتواء الأكاديمي، تماماً كما يمنح النهر الحياة لما حوله بصمتٍ وكرمٍ وهدوء.
إنّ الدكتور معاذ مثال مشرف للأكاديمي الفلسطيني، الذي يُقدّم نموذجاً يُحتذى به في البحث والعطاء والمهنية، ولطالما كان حضوره في قاعة المناقشة كالنور الذي يُرشد، لا يطغى، ويحتوي دون أن يُقصي، ويدعم دون أن يفرض.
وإنني، إذ أكتب عن هذه التجربة، فإنني أقولها بكل محبة وصدق: إنما الإنسان أثر، والدكتور معاذ ترك في قلبي أثراً أكاديمياً وإنسانياً لا يُنسى. أثرٌ يشبه نبل الكلمة حين تُقال بصدق، ويشبه الحضور حين يكون للعلم وللروح في آنٍ معًا.
نحن بحاجة دائمة لتكريم أمثال هؤلاء، لا بأوسمةٍ مادية فقط، بل بالكلمة الصادقة، وبالاعتراف بفضلهم وجهودهم. فهم من يصنعون الفارق، ويمنحون للعلم مكانته وللباحثين دعمهم، ويثبتون أن فلسطين، رغم كل التحديات، تزخر بعقولٍ تشعّ، وبأسماءٍ ترفع الرأس، وبعلماء يستحقون أن يُسلط الضوء عليهم ويُحتفى بهم.
شكراً دكتور معاذ اعمر، على علمك، وعلى طيب أثرك، وعلى أخلاقك التي تُدرّس، قبل أن تُقال.
دمت رمزاً من رموز العلم الفلسطيني النبيل.
دمت أثراً خالداً في ذاكرة العلم والكرامة.
والسلام على كلّ من نذروا أنفسهم للمعرفة، وكانوا لها أوفياء.