
لماذا غاب التطبيع السعودي عن جولة ترامب ، هل غيرت امريكا حساباتها الاستراتيجية؟ ، بقلم : سالي ابو عياش
في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى للرياض عام 2017، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في الرياض يوم 13 مايو 2025، مستهلاً جولة خليجية تشمل قطر والإمارات، الاستقبال كان فخماً: سيوف ذهبية، خيول عربية، ومراسم ملكية، عكست دفء العلاقة بين ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكن خلف هذه المظاهر، يبدو أن هنالك معادلة جديدة تتشكّل لتغيير معالم المنطقة من جهة، وتُعيد رسم الأدوار الفاعلة من جهة أخرى.
من جديد وضعت فلسطين على رقعة الشطرنج الإقليمية، كحجرٍ تُحرّكه القوى الكبرى وفق مصالحها. في وقتٍ يبدو فيه صوت الشعب الفلسطيني بعيداً عن مراكز القرار. فهل سيكون هذا التحول بداية مرحلة جديدة من التصفية لقضية فلسطين، أم أن هناك بصيص أمل لإعادة تسليط الضوء على حقوقها في هذه الصراعات المتشابكة؟
في ظل الزيارة التي بدأها ترامب إلى الرياض، أبو ظبي، والدوحة، فأصبح واضحاً أن أبرز ما تمخضت عنه الزيارة هو توقيع اتفاقيات اقتصادية استثمارية ضخمة مع السعودية بقيمة 600 مليار دولار، تشمل قطاعات الدفاع، التكنولوجيا، والطاقة، والاسلحة، في حين تأتي القضايا السياسية ثانياً.
في هذه السياق، ينظر إلى الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين، الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، كأحد أكبر التحولات في المنطقة. فهذه الخطوة تشير إلى الرغبة الأمريكية في تغيير حساباتها الاستراتيجية في المنطقة، حيث تجد نفسها تتفاوض مع جماعة كانت تعتبرها في السابق من “قوى الظلام”. ورغم أن هذا الاتفاق لا يشمل تطبيعاً سعودياً إسرائيلياً، إلا أنه يكشف عن تزايد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تُعاد صياغتها في الخليج بعيداً عن التنسيق مع تل أبيب.
إن اللافت في هذه الجولة أنها لم تشمل إسرائيل، ما أثار تساؤلات حول موقع تل أبيب في أولويات واشنطن الجديدة. ففي الوقت الذي تسعى فيه السعودية لتحديث قدراتها الدفاعية والتكنولوجية، يبدو أن التطبيع مع إسرائيل لم يعد شرطاً مسبقاً لهذه الصفقات، خاصة مع استمرار الحرب في غزة ورفض الحكومة الإسرائيلية وقف العمليات العسكرية أو القبول بحلول الشرعية الدولية. كما أن ميل ترامب لتجاوز المواقف الإسرائيلية ظهر جلياً ليس فقط في استبعاد تل أبيب من مشهد الصفقة، بل أيضاً في انفتاحه على ملفات لم تكن على طاولته في الآونة الأخيرة كرفع العقوبات عن سوريا، والدخول في مفاوضات مع طهران، والتوصل إلى تفاهمات مع الحوثيين بدون التنسيق المسبق مع نتنياهو.
هذه التحولات الإقليمية والاتفاقات الجديدة تأتي في وقتٍ غابت فيه مصر، ولبنان، سوريا عن أي دور بارز في المفاوضات بالرغم من تصريح رفع العقوبات عن الاخيرة يُلاحظ تراجع الدور العربي التقليدي الذي كان يشكّل حجر الزاوية في الملفات الإقليمية، لصالح دول الخليج التي باتت تُدير دفة اللعبة السياسية والاقتصادية في المنطقة.
فغياب هذه الدول، التي طالما شكّلت قلب الحراك العربي، يزيد من تعقيد المشهد، ففلسطين التي كانت دائماً على رأس جدول الأعمال في أي قمة عربية أو لقاء إقليمي، باتت اليوم على هامش الطاولة ” حضورها في هذه المعادلات لم يعد كقضية مركزية بل كورقة تُستخدم عند الحاجة، وحجر يُنقل على رقعة الشطرنج، بينما اللاعبين يتبدّلون، واللعبة تستمر”.
في خضم هذه الجولة جاء الإفراج المفاجئ عن عيدان ألكسندر، الأسير الأمريكي-الإسرائيلي المحتجز لدى حركة حماس. لم يكن التوقيت عابراً، فقد سبقه تصريح غير مسبوق من ترامب وصف فيه الحرب على غزة بـ “الوحشية”، وهو الذي لطالما منح إسرائيل الضوء الأخضر لإنهاء ما يسميه بـ “المهمة” مهما كانت التكاليف هذا التحول الخطابي قد لا يكون عاطفياً بقدر ما هو انعكاس لتحولات استراتيجية أوسع.
ترى هل الولايات المتحدة بصدد تغيير توجهاتها بشأن دعم إسرائيل، أم أنه مجرد تصعيد إعلامي يسبق خطوات سياسية جديدة؟
في الوقت نفسه، يبدو أن إسرائيل ستظل تلعب دوراً مركزياً في لعبة الشطرنج الإقليمية، ولكن قد يكون دوراً مختلفاً، حيث تستمر في استغلال الفرص الاقتصادية التي تتيحها لها الصفقات الخليجية، والدعم العالمي لها دون أن تكون مضطرة للوفاء بتعهدات سياسية ملموسة بشأن فلسطين.
يبدو أن الرهانات على فلسطين اليوم تزداد تعقيداً، حيث تحاول القوى الكبرى الوصول إلى تسويات لا تشمل الحقوق الفلسطينية الحقيقية، وإنما تسعى إلى تجاوز الصراع لصالح مصالحها الاقتصادية والتجارية.
في حقيقة الامر فلسطين اليوم هي الورقة الأضعف في هذه المعادلة، إذ بقيت رهينة لقرارات دولية بعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني نفسه وبعيداً عن الإرادة الفلسطينية، تتحرك القوى الإقليمية والدولية على رقعة الشطرنج كما لو أن القضية الفلسطينية قد انتهت إلى مجرد تفاصيل ثانوية في صفقات أكبر. في الوقت نفسه، يتوجب على الفلسطينيين أن يواجهوا هذه المتغيرات بوعي وإصرار على عدم التفريط في حقوقهم، وأن يسعى الجميع إلى تحقيق مقاومة سياسية حقيقية تضمن بقاء القضية الفلسطينية على رأس أولويات المنطقة.
لا يبدو أن النظام الإقليمي الجديد الذي يُبنى اليوم سيكون مفيداً لفلسطين بشكل حقيقي، إذا ظل القرار السياسي مرهوناً بمصالح الدول الكبرى فالصفقات الاقتصادية التي تُعقد في الخليج قد توفر مكاسب اقتصادية للدول العربية، لكنها لا تضمن تحقيق العدالة لفلسطين، خاصة إذا كانت هذه الصفقات تتجاهل الحقوق السياسية الأساسية للفلسطينيين.
في هذا الوقت الذي يظل فيه الفلسطينيون يقاتلون بصمت على أرضهم، تتحكم القوى الكبرى في مصيرهم لكن السؤال الذي يبقى بلا إجابة: هل ستظل فلسطين مجرد قطعة شطرنج؟ أم أنها ستستعيد مكانتها كلاعب سياسي في المنطقة؟
هذه المعادلة المعقدة تجعل من فلسطين أكثر من مجرد حجر، بل جزءاً من حلم مستمر للمستقبل، رغم كل المحاولات لتجاوزها أو إقصائها من التاريخ.