
نكبة تستحضر نكبة ، بقلم : آمنة الدبش
يصادف اليوم الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية الكارثة الوطنية التي تمثلت في نجاح الحركة الصهيونية بدعم من بريطانيا في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان دولة الكيان الصهيوني والتي على إثرها تشرد الاف الفلسطينيين من بيوتهم هائمين على وجوههم بين مخيمات المعاناة واللجوء تاركين بيوتهم وممتلكاتهم لتبدأ رحلة الشعب الفلسطيني على سفينة المعاناة والحسرة والألم وتحديدا بتاريخ 15 مايو عام 1948م حيث يشهد هذا التاريخ على حكاية شعب تهجر قسرا ورغما عنه من أرضه لتسطو عليها عصابات اسرائيلية في ظل صمت دولي رهيب.
الكبار يموتون والصغار ينسون
كثيراً ما عول الاحتلال الإسرائيلي على مقولة «الكبار يموتون.. والصغار ينسون» في محاولة منه لطمس هوية هذه الأرض فرغم ما مر به الشعب الفلسطيني من عذاب وويلات في أعقاب التهجير تمثلت في ارتكاب المجازر البشعة بحق المدنيين الأبرياء وطرد السكان من بيوتهم ومصادرة الأراضي وإقامة بؤر استيطانية عليها واعتقال الآلاف والزج بهم داخل السجون وإبعاد المئات خارج الوطن فلم يتوان الاحتلال الإسرائيلي في ادخار أي جهد يسهم في تجسيد المقولة السابقة على أرض الواقع لكن وبعد 77 عاماً يثبت الشعب الفلسطيني عكس ذلك علمنا أن القهر والذل وكافة أنواع القمع ما هو إلا تحدي وصمود وثبات وإن أمل وحلم العودة لايزال ماثلاً بداخل كل لاجئ أجبر على الهجرة من أرضه قسراً، وأن العودة ستكون أمراً واقعاً ولو بعد حين وهم يعلمون ذلك لأبنائهم وأحفادهم.
نكبة تستحضر نكبة
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023م إسرائيل دخلت مرحلة إعادة إنتاج النكبة على نحو فاق النكبة الأولى عام 1948م وتعيد فصولها على جميع الاصعدة ومن حيث المستويات التدمير والتهجير القسري والقتل والإبادة الجماعية جاءت تلك الأحداث لتوقظ ذاكرتنا المتعبة ولتعيد لنا روائح الموت بمشاهد تستحضر أمامنا ذكريات النكبة بكل تفاصيلها وأوجاعها ، تمر الأحداث لحظة بلحظة لتحفر من جديد مقابر الشهداء فحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء ما يزيد على 52,600 شهيد خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يشكلون أكثر من 34% من مجموع الشهداء منذ النكبة.
التاريخ يعيد نفسه بمشاهد وصور وحقائق تجسد بنكبة أخرى بتفس معالم نكبة 1948م بدءا من مجازر دموية ارتكبها الاحتلال في القرى والبلدات الفلسطينية المهجرة وصولاً إلى استكمال مشروع الاحتلال الصهيوني الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ولكن كما أفشل الشعب الفلسطيني مشاريع التصفية السابقة فإنه قادر على إفشال هذا المخطط الجديد.
شهادات حية
لا يتوقف شريط الذكريات عن اعتصار آنين وجراح الفلسطينيين مشاهد لا يمكن أن تجهضها الذاكرة بقيت خالدة تحمل في طياتها تحقيق المصير وأمل العودة .
من بين تلك الحكايات روتها الجدة فوزية ابوغالي من قرية عاقر إنها لاجئة فلسطينية في التسعين من عمرها ملامح التجاعيد مرسومة على وجهها بخطوط الحسرة وحدة الألم تروي تفاصيل حياتها “ليتنا لم نغادر البلاد ليتنا نعود ” عشنا وترعرعنا فيها أخذوها منا بالغصب نحن لم نبعها ولم نتركها بإرادتنا مثل ما قالوا عنا ، بل أجبرونا على الخروج حين أتوا إلى قريتنا بالدبابات والطائرات لقصفها انتشر الذعر والخوف بين أهالي القرية وخرجوا من بيوتهم .
تعيد أحداث ومجريات الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، ذكريات التهجير المؤلمة عام 1948م
يسترجع المسن أبو خليل الدبش من قرية القبيبة قضاء الرملة البالغ من العمر 88 عاماً ذكرياته القديمة بألم وحزن مع نزوح عائلته من مدينة رفح ليسترجع محطات النكبة إلى الخيام قائلا ” إن الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة أشد قسوة وأفظع من النكبة الفلسطينية بكل معالمها مؤكداً في الوقت ذاته رفضه لسياسة التهجير وتمسكه بأرضه مهما كان.
وبصوت تعلوه بحة حزينة هُجرنا مرة واحدة عام 1948م ولو كنا نعرف أننا لا نستطيع العودة إلي القبيبة لما تركناها حتى لو متنا فيها. ولن نقبل أن نهجر مرة أخرى إسرائيل أخرجتنا من منازلنا بالقصف والتخويف والمجازر فما ذنب أطفالنا ونسائنا يعيشوا هذه المجازر..؟
المتجذرون في الأرض
فكرة الانتماء إلى فلسطين أعمق من مجرد السكن فيها إنها ارتباط وجداني لا يمكن استبداله بأي رفاه أو استقرار خارجي ربما تكون الحياة هنا قاسية لكننا ننتمي إلى هذا المكان ولا ننتمي إلى أي مكان آخر هذه الأرض ليست مجرد جغرافيا إنها جزء من كياننا إنها هوية وحياة وتاريخ محفور في وعينا سنبقى هنا في المكان الذي وُلدنا فيه وشربنا من مائه وتنفسنا هواءه وأُطعمنا من خيراته وروينا ترابه بدماء أحبابنا.
والرحيل عنها يعني فقدان جزء من أنفسنا لهذا سوف نبقى وسنواصل الحياة هنا مهما تبلغ التحديات، لأن فلسطين ليست فقط وطننا بل أيضاً روحنا.
بعد 77 عاماً على النكبة.. سنبقى متمسكين بحق العودة وكما قال الشاعر محمود درويش صناع النكبة لم يتمكنوا من كسر إرادة الشعب الفلسطيني وطمس هويته الوطنية، لا بالتشريد ولا بالمجازر ولا بتحويل الوهم إلى واقع ولا بتزوير التاريخ.
- – آمنة الدبش – صحفية وناشطة نسوية