
غزة ستكتب نهاية -جدعون- وعرباته ، بقلم : بديعة النعيمي
في سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة، أعلنت “القناة ١٢” العبرية بتاريخ ٥/مايو/٢٠٢٥ عن توجه جديد تتبناه المؤسسة العسكرية الصهيونية، مفاده نقل سكان شمال غزة إلى الجنوب، مع الإبقاء على من تبقى منهم للتعامل معهم بطريقة خاصة. وأكدت القناة أن “الجيش الصهيوني سيحتل أراضي قطاع غزة ولن ينسحب منها حتى في ظل توقيع صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس”.
هذا الإعلان، الذي جاء بعد اجتماع المجلس السياسي والأمني لدولة الاحتلال والذي وافق على عملية أطلق عليها اسم “عربات جدعون”، إنما يعبر عن تصعيد خطير ونية خبيثة في مسار الحرب.
عملية “عربات جدعون”، التي تهدف إلى “هزيمة حماس” و “إطلاق سراح الأسرى” على حد زعم واضعوها، وهو شعار سمعناه كثيرا من “نتنياهو” بعد السابع من أكتوبر وإلى اليوم دون أن يتحقق على أرض الواقع.
فالنتائج الميدانية لطالما أشارت إلى عجز مستمر عن تحقيق هذه الأهداف أمام شراسة المقاومة الفلسطينية التي كبدت عصابات جيش الاحتلال الخسائر الفادحة وأوقعت القرار الصهيوني في “تل أبيب” في مآزق كبيرة ومتكررة.
أما عن تسمية العسكرية ب “عربات جدعون” فإنها تأتي في محاولة لإضفاء بعد رمزي وديني على العملية، حيث تعود إلى القائد الأسطوري الخرافي المزعوم “جدعون” والذي ذكرته توراتهم المحرفة المنحرفة، حيث تدعي أنه قاد معركة ضد المديانيين وانتصر فيها، في إشارة ضمنية إلى “نقاء الهدف” و”الحق المقدس”. كما تحمل إشارة أن جيش العدو برغم النقص الحاد والكبير لمقاتلي الاحتياط في صفوف عصابات الجيش سينتصر في غزة كما انتصر “جدعون” على المديانيين بذلك العدد القليل، كما تروج له السردية الصهيونية.
إلا أن الواقع مختلف، فالمقاومة الفلسطينية أثبتت عبر عقود طويلة من المواجهة أنها قادرة على الصمود وفرض معادلاتها على الميدان رغم التفاوت الكبير في ميزان القوى.
إن هذا التوجه الجديد والخبيث من وراء هذه العملية وهو احتلال دائم لأراضي غزة إنما يعيدنا إلى سياسة “المنطقة العازلة” التي اتبعها الاحتلال في الجنوب اللبناني قبل انسحابه عام ٢٠٠٠. حيث اعتمدت حينها دولة الاحتلال على تفريغ مناطق من سكانها وفرض سيطرة أمنية مباشرة تحت ذريعة محاربة “الإرهاب”.
غير أن هذه التجربة كما التجربة في غزة، أثبتت أن الاحتلال لا يمكن أن يستقر أمام إرادة الشعوب ومقاومتها، وأن سياسة الأرض المحروقة لا تصنع استسلاما بل مقاومة أعمق.
كما أن ربط الاحتلال بخيار صفقة تبادل الأسرى يكشف عن انعدام الخيارات السياسية والعسكرية أمام حكومة الاحتلال التي تجد نفسها عالقة بين ضغط عائلات الرهائن التي تطالب باستعادة أبنائها لدى حماس، وبين فشلها في كسر شوكة حماس أو دفعها إلى القبول بشروط مذلة.
ولعل الأكثر خطورة في التصريحات الأخيرة في النية المعلنة بعدم الانسحاب من غزة وإعادة احتلال القطاع، وعدم لجم هذه النية والتوجهات الاحتلالية الإحلالية من قبل المجتمع الدولي الصامت، أن النتيجة الطبيعية لهذا كله لن يكون توسيع رقعة الحرب إلا تعميق للكارثة الإنسانية في غزة وزيادة في تجويع أهلها وتنفيذ عمليات إبادة جديدة بحق المدنيين.ومن هنا فإن ما يجري في غزة هو معركة على السردية، على الوجود، على الحقوق.
والتكرار الفاشل بهزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن ،يكشف عن أزمة قيادة “تل أبيب” التي تقوم بتغليف فشلها بتسميات بائسة مثل “عربات جدعون”، بدل مواجهة الحقيقة وهي أن هذا الشعب لا يهزم، وأن كسر إرادته لن يكون بتهجيره أو بسحقه عسكريا، وأن المقاومة ستبقى تناضل من أجله، رغم كل محاولات القمع والطمس والتهجير والتجويع.
.
وهنا لا يمكننا تجاهل التواطؤ العربي الرسمي المتمثل بالأنظمة العربية المطبعة مع العدو والمتآمرة معه على إسقاط المقاومة الفلسطينية في سبيل الاحتفاظ بكراسيها، هذه الأنظمة التي سيظل العار يلاحقها حتى يكتب التاريخ نهاية “جدعون” وعرباته التي ستحمل معها أنظمة العار إلى الهاوية…