
شفا – في ظل الزخم الكبير لمبادرة “الحزام والطريق”، تعمقت أواصر التبادل بين الصين والدول العربية، وكان التفاعل في مجال السياحة لافتا للنظر بشكل خاص. فمن جهة، يتزايد حماس السياح الصينيين لزيارة العالم العربي. ومن جهة أخرى، أصبح الشغف بزيارة الصين اتجاها متناميا بين السياح العرب، وقد أسهمت هذه التبادلات السياحية الثنائية في فتح آفاق جديدة لتنشيط التفاعل بين الجانبين وتعزيز التمازج الثقافي بينهما.
ووفقا للبيانات ذات الصلة بصناعة السياحة، شهد عدد السياح الصينيين المتجهين إلى المنطقة العربية نموا مطردا في السنوات الأخيرة. ومن بين الوجهات السياحية المميزة هناك، برزت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر كأكثر الوجهات جذبا للسياح الصينيين. فخلال عطلة عيد العمال، حرص عدد كبير من السياح الصينيين على اغتنام فرصة العطلة لزيارة العالم العربي، أرض التاريخ العريق والجمال الآسر.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تجذب دبي باعتبارها نموذجا متألقا للمدينة الحديثة، العديد من السياح الصينيين. ففي أجواء دبي، يعلو برج خليفة شامخا نحو السماء، فيبهر كل من يراه من الزوار. وإلى جانب استمتاعهم بالمناظر الطبيعية الخلابة، يجد السياح الصينيون متعة خاصة في تجربة التسوق بدبي، إذ تحتضن مراكزها التجارية الكبرى أشهر العلامات التجارية العالمية، من أرقى الأزياء إلى أحدث الإلكترونيات. ويؤكد العديد من هؤلاء السياح أن التسوق هناك لا يلبي احتياجاتهم الاستهلاكية فحسب، بل يمنحهم أيضا إحساسا بالانغماس في أجواء مختلفة وفريدة عما ألفوه في الصين.
أما المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات تاريخ عريق وتراث ثقافي غني، فقد أصبحت تدريجيا وجهة مفضلة للسياح الصينيين، إذ تتميز مناظرها الطبيعية بجمال ساحر، وتخلق الكثبان الرملية الذهبية المتناثرة في صحاريها الواسعة مشهدا يأسر الألباب. كما يمكن للزوار الاستمتاع بركوب المركبات الرباعية على الكثبان وتجربة أنشطة مثيرة مثل التزلج على الرمال. وفي الليل، يمكنهم التمتع بمشاهدة السماء المرصعة بالنجوم والشعور بهدوء وغموض الصحراء.
وتجذب مصر، وهي دولة ذات حضارة عريقة، انتباه السياح الصينيين بمواقعها التاريخية الفريدة. فمعالمها الشهيرة مثل الأهرامات وأبو الهول ومعبد الأقصر تحمل آلاف السنين من ذاكرة التاريخ. وقد قالت السيدة وانغ، من سكان شانغهاي، خلال زيارتها للأهرامات: “عندما أقف أمام هذه الأبنية القديمة، أشعر كما لو أنني سافرت إلى العصور القديمة، وأشعر بعمق بروعة وعظمة الحضارة المصرية القديمة. يبدو أن كل حجر يروي قصة من التاريخ، ولا يسع المرء إلا أن يعجب بحكمة وإبداع القدماء”.
بينما يتزايد تدفق السياح الصينيين إلى مختلف أنحاء العالم العربي، يشهد عدد السياح العرب الذين يزورون الصين أيضا زيادة مستمرة عاما بعد عام. فالتاريخ العريق للصين وثقافتها الغنية ومناظرها الطبيعية المتنوعة، بالإضافة إلى مأكولاتها المميزة، تخلق جاذبية كبيرة للسياح العرب.
فبعد زيارتها لبكين، أبدت إحدى العائلات السعودية إعجابها بسور الصين العظيم، قائلة: “سور الصين العظيم مذهل للغاية! جلاله وروعة بنائه يفوقان الخيال. صحيح أن صعود درجات سور الصين العظيم صعب، ولكن عندما نقف عند نقطة مرتفعة وننظر إلى الجبال الممتدة حتى الأفق، ندرك أن الأمر يستحق كل هذا العناء. علاوة على ذلك، التقينا بالعديد من الأصدقاء الصينيين الودودين، مما جعلنا نشعر بلطف وحفاوة الشعب الصيني”.
اختتمت فعاليات الدورة الـ32 من معرض “سوق السفر العربي”، التي استمرت أربعة أيام، في الأول من مايو بدبي. وخلال المعرض، جذبت السياحة الصينية الوافدة، التي يروّج لها جناح الصين، الانتباه. وفي جناح الصين، أجرت الشركات الصينية المعنية بالسياحة الوافدة مناقشات معمقة مع وكلاء السفر من الدول العربية للتعريف بأحدث منتجات وخدمات السياحة الوافدة في الصين. وقد عُرض على الشاشة الكبيرة في منطقة المعرض فيديو ترويجي للوجهات التي تحمل طابعا ثقافيا صينيا مميزا.
وفي مقابلة مع الصحفيين، قال عصام كاظم، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري، إن وزارة الثقافة والسياحة الصينية إلى جانب وكالات إدارة السياحة المحلية تنظم بشكل نشط فعاليات ترويجية في دبي، مشيرا إلى أن هذه الفعاليات تلعب دورا مهما في تعزيز فهم الجمهور للتراث الثقافي الغني للصين وتنوع مواردها السياحية.
في أكتوبر 2024، أُقيم “مهرجان السفر السعودي” في المعبد السماوي (تيان تان) في بكين، حيث أتيحت للزوار فرصة الانغماس في السحر الفريد للثقافة السعودية. ووفقا للتقارير، هدف الحدث إلى تعزيز فهم المزيد من السياح الصينيين للموارد السياحية الغنية والمتنوعة بالمملكة وثقافتها التقليدية. وخلال هذا الحدث، عرضت سلسلة من الأكشاك التفاعلية المصممة بعناية مناطق الجذب السياحي والمشاريع الشهيرة في المملكة، كما تمكن الزوار من تجربة مهارات النسيج السعودية التقليدية، وسماع مقطوعات موسيقية عُزفت على آلات موسيقية سعودية تقليدية، والاستمتاع بالرقصات الشعبية السعودية.
في السنوات الأخيرة، استمر التعاون بين الصين والسعودية في مجالات الثقافة والسياحة في التعمق، وزادت وتيرة التبادلات الشعبية بين الجانبين. فقد أطلقت وكالات السفر الكبرى في الصين منتجات سياحية تتضمن وجهات في السعودية، وشهد عدد السياح الصينيين إلى المملكة نموا سريعا. كما أطلقت السعودية سلسلة من الإجراءات لتبسيط عملية الحصول على التأشيرات وتعزيز التعاون مع وكالات السفر الصينية، بالإضافة إلى تخصيص منتجات سياحية تتناسب مع السياح الصينيين لتعزيز تجربتهم السياحية في المملكة.
واستمرت العلاقات بين الصين والدول العربية في التعمق والتوطد، وأسفرت التبادلات والتعاون في مجال السياحة بين الجانبين عن نتائج مثمرة. فقد نفذت كل من المغرب والإمارات وقطر وتونس سياسات الدخول بدون تأشيرة للمواطنين الصينيين في السنوات الأخيرة.
كما استفادت الطفرة السياحية الصينية العربية من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الوثيقة التي تزداد قوة بين الجانبين. وقد عزز الترويج لمبادرة “الحزام والطريق” التعاون بينهما في مجالات بناء البنية التحتية والتجارة والاستثمار، وخلق ظروفا مواتية للتبادلات السياحية. كما أن تغير تصور الاستهلاك السياحي لدى السياح الصينيين وسعيهم وراء تجارب متعددة الثقافات جعلهم ينجذبون إلى العالم العربية.
إن تزايد التفاعل السياحي بين الصين والعالم العربية لم يُسهم فقط في دفع عجلة التنمية السياحة المحلية، بل أيضا في بناء جسر متين للتبادلات الثقافية بين الجانبين. فالسياحة باتت نافذة يطل من خلالها الزوار على تاريخ وثقافة وعادات الطرف الآخر، مما أدى إلى تعزيز وشائج الصداقة وتقوية جسور التفاهم المتبادل بين الشعوب. ومع تنامي التبادلات والتعاون بين الجانبين، تشير التوقعات إلى أن التبادلات السياحية والثقافية الصينية العربية ستصبح أكثر تواتر، مما يعزز مسيرة التنمية لدى الجانبين بطاقة متجددة وفعالة.