
“من الدمار إلى الرفاهية: ترامب يقترح تحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط” بقلم : م. غسان جابر
عندما أعلن ترامب عن خطته “العبقرية” لنقل سكان غزة وتحويل القطاع إلى وجهة سياحية، انقسم العالم إلى فئتين: الأولى وقفت مشدوهة، تحاول استيعاب الفكرة، تمامًا كما يحاول الإنسان فهم كيف أصبح تلفزيون الواقع مصدرًا للسياسة العالمية. أما الفئة الثانية، فقد كانت الإعلام، الذي لم يصدق حظه السعيد!
مهرجان إعلامي بلا نهاية
يا له من كنز للإعلاميين! مادة دسمة لا تحتاج إلى بحث أو تقصي حقائق، فقط خذوا التصريحات، ضعوها في استوديو براق، واستدعوا محللين ليقضوا الساعات في نقاش “هل يمكن فعلًا تهجير مليوني فلسطيني؟”، كما لو أنهم يتحدثون عن نقل شجرة من حديقة منزل إلى أخرى. المذيعون يتصببون عرقًا من فرط الإثارة، المعارضون يصرخون: “هذه جريمة ضد الإنسانية!”، المؤيدون يبتسمون: “فرصة ذهبية للسلام والازدهار!”، بينما المشاهد المسكين يُدرك أنه سيقضي ليلته يتابع جدالات لن تغير شيئًا في الواقع.
ويا عيني على “الخبراء الاستراتيجيين”! هؤلاء الذين سيشرحون لنا بخطوات مدروسة كيف يمكن تهجير مليوني إنسان وكأنهم يتحدثون عن ترحيل مجموعة من البطاريق إلى القطب الجنوبي. ثم ستخرج تقارير متناقضة: “العرب يفكرون “، “الأردن غاضب”، “مصر تتريث”، “قطر مستاءة”، مزيج من الإثارة والتضليل، مثالي لملء ساعات البث!
أما سكان غزة…
أما أهل غزة، فماذا عنهم؟ هؤلاء الذين ملّوا العدّ، عدّ الأيام، عدّ الأزمات، عدّ البيوت التي تهدمت ثم أعيد بناؤها ثم تهدمت مجددًا. هل يريد ترامب ترحيلهم؟ حسنًا، أين؟ لا أحد يعلم! هل سيبقون؟ على أنقاض ماذا؟ لا أحد يهتم!
تخيلوا المشهد: أبٌ فلسطيني يحمل طفلته بين يديه، ينظر إلى بيته الذي كان منزله منذ ثلاثين عامًا، والآن لم يبق منه سوى كومة حجارة وذكريات. ابنه الصغير يسأله: “بابا، أين سننام الليلة؟”، فيجيبه الأب، بابتسامة مريرة: “في المخيم الجديد… إلى أن نجد خيمة مناسبة!”. عائلة أخرى تقف على بقايا مطبخها، تحاول أن تستعيد قدر الأرز الذي نجى من تحت الأنقاض، بينما الجرافات تحفر استعدادًا “للمستقبل الجديد”.
وسائل الإعلام ستصور هذا المشهد بكاميرات عالية الدقة، ستبكي المذيعة على الهواء، ثم ينتهي البرنامج، ليبدأ إعلان جديد عن حفل غنائي، أو مباراة كرة قدم. أما سكان غزة، فسيجدون أنفسهم نازحين مرة أخرى، يجلسون تحت خيام الإغاثة، ينتظرون مساعدات قد تأتي وقد لا تأتي، بينما قادتهم، وقادة العالم، يعقدون اجتماعات مطولة، يتباحثون، يتناقشون، ثم يرفعون الجلسة دون أي قرار.
ترامب: بائع الأوهام العظيم
لكن، دعونا نعود إلى بطل القصة: دونالد ترامب، الرجل الذي يرى أن الحل لكل مشكلة هو صفقة عقارية! هل تريدون حل أزمة الشرق الأوسط؟ بسيطة، قوموا بتهجير السكان، احفروا أساسًا جديدًا، استدعوا الشركات لبناء منتجعات، وها نحن ذا، غزة تتحول إلى “ريفييرا البحر المتوسط”! ربما سيسميها “Trump Gaza Bay Resort”، ويضع اسمه بحروف ذهبية على واجهتها، مع ملعب غولف مطل على البحر حيث كانت تقف منازل الفلسطينيين سابقًا.
ولأنه يحب الأضواء، سيقف يوم الافتتاح، يرفع يده بتحية المنتصر، ويقول: “انظروا! لقد حوّلت غزة من أنقاض إلى حلم!”. أما سكان غزة؟ لا يهم، فهم ليسوا جزءًا من الصورة، تمامًا كما لم يكن الأفغان جزءًا من صورة انسحاب أمريكا من كابول، وكما لم يكن العراقيون جزءًا من صورة “الديمقراطية الجديدة” التي بُنيت على أنقاض بلادهم. المهم هو الصورة، والعناوين العريضة، وحفل الافتتاح الفخم!
الخاتمة: تهريج بلا نهاية
هكذا، تدور عجلة الزمن في الشرق الأوسط: أزمة جديدة، مؤتمر صحفي، خطة عبثية، صخب إعلامي، ثم لا شيء. سكان غزة سيبقون تحت القصف، تحت الأنقاض، تحت رحمة وعود جوفاء. أما ترامب ونتنياهو، فسيعودان إلى مكاتبهما المكيفة، يتبادلان الابتسامات أمام الكاميرات، فيما الإعلام يواصل بث التحليلات عن “أهم خطة لإنهاء النزاع منذ اتفاق أوسلو!”.
أما الحقيقة؟ فهي كما قالها أحد سكان غزة وهو ينفض الغبار عن صور زفافه وسط الأنقاض: “نحن لا نموت، نحن فقط يعاد ترتيبنا!”.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)