8:41 صباحًا / 13 أكتوبر، 2024
آخر الاخبار

تفجيرات لبنان و الانتقال من إسناد غزة إلى الصدام الثنائي.. قراءة في المشهد الملغوم ، بقلم : نسيم قبها

تفجيرات لبنان و الانتقال من إسناد غزة إلى الصدام الثنائي.. قراءة في المشهد الملغوم ، بقلم : نسيم قبها

تفجيرات لبنان و الانتقال من إسناد غزة إلى الصدام الثنائي.. قراءة في المشهد الملغوم ، بقلم : نسيم قبها

لقد جاء العدوان الصهيوني على لبنان في سياق استراتيجية نتنياهو في التصعيد والمماطلة من أجل التملص من الضغوط الداخلية والخارجية بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس ، ووقف العدوان على غزة، وفي ظل انتقاد بايدن لنتنياهو، بالإضافة إلى تصاعد الاحتجاجات التي قادها الهستدروت بشكل غير مسبوق، مسنودًا بقادة المعارضة وبعض الأحزاب ورؤساء وزراء سابقين بعد مقتل 6 أسرى من المحتجزين في غزة. كما جاء وسط انقسام حاد بين نتنياهو وفريقه المتطرف وبين الجيش والأجهزة الأمنية بشأن مفاوضات الرهائن، في ظل مشاجرات وخلافات علنية بين كبار الشخصيات الحكومية، مع تقارير عن اشتباكات بالصراخ وضرب الطاولات بالأيدي حول شروط الاتفاق الذي سيضمن إطلاق سراح الأسرى المتبقين.


فعلى الصعيد الداخلي دعا زعيم المعارضة يائير لابيد بعد لقائه مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان لإنهاء الحرب، فيما دعا عضو مجلس الحرب المستقيل بيني غانتس إلى انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة توافق وطني، وسط احتقان شعبي حاد ومُفزع لنتنياهو، وبخاصة حينما دخل الهستدروت على خط الاحتجاجات، وقاد مظاهرة ناهزت 500 – 700 ألف شخص.


وأما على الصعيد الخارجي، فقد قال وزير الخارجية الأميركي: “إن التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة ضرورة ملحة”، ومن جانبها قالت رئيسة الوزراء الإيطالية: “لم يعد ممكنًا تأجيل التوصل إلى اتفاق شامل بشأن غزة”، بينما صوّتت النقابات العمالية البريطانية على اقتراح يطالب بإنهاء جميع تجارة الأسلحة مع دولة الاحتلال (الإسرائيلي) بشكل فوري. وهذا بالإضافة إلى انتقادات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لـ”إسرائيل” ومطالبته بمعاقبة بن غفير وسيموترتش، وهو ما حمل الحكومة الإسرائيلية على إلغاء زيارته المقررة يومي 14 و15 أيلول/سبتمبر الجاري إلى “إسرائيل”.

وعلى إثر هذه الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها نتنياهو، وفي ضوء القيود المضروبة عليه من قبل شركائه في الائتلاف الحكومي، الذين يرفضون وقف الحرب ويطالبون بتوسيع العمليات على الجبهة اللبنانية، ومن أجل تهميش ملف غزة وتخفيف الضغوط الخارجية وتعزيز اصطفاف الغرب إلى جانبه، قرر نتنياهو توجيه عناية الرأي العام الداخلي والخارجي إلى الجبهة اللبنانية، ودعا الكابنيت إلى الاجتماع قبيل الهجوم على شبكة اتصالات حزب الله، وأثناء زيارة المبعوث الأميركي هوكستين، وانتزع موافقة الكابنيت على إضافة “إعادة سكان الشمال إلى منازلهم إلى أهداف الحرب”، تمهيدًا للتصعيد على الجبهة الشمالية، مستغلًا رغبة أميركا العلنية بتقويض أذرع إيران وإضعاف حزب الله وتحجيم نفوذه على الحكومة اللبنانية، ومستغلًا كذلك الخلافات اللبنانية الداخلية، والتردي الاقتصادي الذي لا يُمكّن الشعب في لبنان من تحمل أعباء حرب واسعة. وهو ما يعتبره الكيان الصهيوني رهانًا يستثمر فيه، وفي الفوضى والبلبلة والحرب النفسية التي أحدثتها الهجمات وتفجيرات الأجهزة اللاسلكية وغيرها في المجتمع وفي صفوف الحزب لفصل الحاضنة الداخلية عنه وإخضاعه.


إذ لا يخفى أن ربط حزب الله لوقف عملياته الهجومية بوقف العدوان على غزة، شكل معضلة تحول دون خوض نتنياهو لحرب مريحة، تمكنه من إطالة أمد عدوانه على غزة والضفة الغربية، وتنفيذ مخطط ابتلاع الأراضي والتهجير والبقاء الدائم في القطاع بدواعٍ أمنية، حيث مهد نتنياهو لذلك بتعيين الضابط اليميني المتطرف “إلعان غورن” حاكمًا عسكريًا لغزة. ولذلك سخر تدخل حزب الله في الحرب لزيادة أوراق اللعبة الداخلية والإقليمية واستعراض القوة. ومع اكتمال سيطرته على قطاع غزة وانخفاض مستوى الاشتباك مع مقاومتها، بدأ بتسخين الجبهة الشمالية مع حزب الله لأهداف أوسع، ويتضح ذلك من حجم الهجوم على شبكة الاتصالات اللبنانية، ومن كثافة الهجمات الجوية والمناطق المستهدفة ونقل فرقة 98 من غزة إلى الشمال.


وفي الأثناء لم يفوّت نتنياهو فرصة استغلال حالة الفزع التي أحدثها حزب الله في “إسرائيل” ومشكلة سكان الشمال المُهجّرين، وتأييد الرأي العام لعملياته ضد حزب الله، للتخلص من وزير الأمن “يوآف غالانت” الذي يشكل شوكة في حلقه، وذلك من خلال طرح إقالته على الطاولة، بدعوى أن غالانت متحفظٌ على توسيع الحرب على لبنان، وهو ما اضطر هذا الأخير إلى تأييد الحل العسكري مع حزب الله في محاولة لسد ذريعة نتنياهو وبن غفير، الذي قال: “منذ أشهر عديدة، كنت أدعو رئيس الوزراء نتنياهو إلى إقالة غالانت، وقد حان الوقت للقيام بذلك على الفور. يجب اتخاذ قرار في الشمال وغالانت ليس الرجل المناسب لقيادته”. وأما الولايات المتحدة فقد علمت مسبقًا بنية نتنياهو الشروع بتصعيد خطير على الجبهة اللبنانية، فقامت بسحب حاملات الطائرات من المنطقة حتى لا يشجع وجودها نتنياهو على المغامرة، رغم أنها لن تتردد في إعادتها للدفاع عن وكيلها الاستعماري وقاعدتها العسكرية الصهيونية إذا تعرضت للخطر. فقد أرسل بايدن مندوبه هوكستين في محاولة لاحتواء التصعيد، حيث صرح الأخير بأن أميركا “لا ترى في توسيع الصراع مع لبنان وسيلة لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم”، وحذر من أن “تصعيد القتال مع لبنان قد يؤدي إلى نزاع إقليمي أوسع وأطول أمدًا” وقال إن “الولايات المتحدة ملتزمة بحل سياسي على الحدود بين إسرائيل ولبنان”.


وكان رد نتنياهو يشي بعزمه على التصعيد، حيث قال خلال اجتماعه بهوكستين بحسب بيان لمكتبه: إنه “لن يكون ممكنًا إعادة السكان النازحين من دون تغيير جذري في الوضع الأمني في الشمال”، مضيفًا إن “إسرائيل تقدر وتحترم دعم الولايات المتحدة، لكنها في النهاية ستفعل ما هو ضروري للحفاظ على أمنها”. ومن قراءة المشهد الراهن نجد أن هذا التصعيد الكبير الذي بدأه نتنياهو يحمل في طياته أمرًا جديدًا ومختلفًا في حجمه وأهدافه، إذ ينطوي على سعي نتنياهو لنقل حزب الله من حالة الإسناد لغزة إلى حالة النزاع والصدام الثنائي المنفصل عن الشأن الغزي، بهدف فتح جبهة موازية لجبهة غزة، وإطالة حالة الحرب لكسب مزيد من الوقت، ووضع الصدام مع حزب الله بما يملكه من قوة في سياق الخطر على أمن الكيان، والوصول من ذلك إلى إعادة توحيد الجبهة الداخلية وإعادة إنتاج التأييد الغربي باعتبار أن أمن الكيان المحتل هو أمن الغرب ومصالحه وبقائه، وهو ما لم يخفه المستشار الألماني أولاف شولتز في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حينما قال: “إن أمن إسرائيل هو جزء من سبب وجود ألمانيا”. وبالتالي فإن من الوارد أن يتعدى نتنياهو أسلوب الاستدراج والاستفزاز، ويواصل ضرب حزب الله متخطيًا قواعد الاشتباك، وأن يمارس سياسة الأرض المحروقة وبخاصة في الجنوب اللبناني والبقاع، بهدف إضعاف قوة الحزب وتقويضه ولجمه. ومن خلال هذا المسار يمكن لنتنياهو أن يصل إلى مبتغاه، وهي الحرب المريحة التي تمكنه من الحفاظ على ائتلافه الحكومي، ومواصلة مخططاته السياسية وأهدافه الشخصية، ريثما تنتهي الانتخابات الأميركية. ولا سيما وأنه يراهن على عودة ترمب إلى السلطة، ويعمل على دعمه من خلال امتناعه عن قبول مبادرات إدارة بايدن، وخروجه بتصريحات تناقض مسؤولي الإدارة الأميركية في كل مرة يتحدثون فيها عن قرب التوصل لاتفاق.


ورغم أن الضربة المُفجعة التي تلقاها حزب الله، والتي تدل على استهتار استخباراته وتكشف نقاط ضعف داخل جهازه الأمني، تنذر بتوجه صهيوني لحرب تهدد وجود الحزب، ولكن من غير المتوقع أن يتجاوز الحزب رده التقليدي ولكن بسقف مرتفع يتناسب مع حجم الجريمة. وهو الأمر الذي يدركه نتنياهو جيدًا، ويشجعه على رفع سقف التصعيد إلى حافة الحرب الواسعة وإلحاق ضرر كبير بحزب الله ما لم يستدرك الحزب على مقارباته العقيمة، ويدرك أن المعركة الآن صارت معركة وجود ومصير، ويُنزل بالكيان الصهيوني ضربات مركزة ومكثفة، تنقل الصراع الصهيوني الداخلي إلى صدام دموي لا ينتهي إلا بانهيار الوضع القائم .

شاهد أيضاً

7 شهداء ومصابون بمجزرة إسرائيلية جديدة وسط جباليا

شفا – استشهد مواطنون مدنيون، وأصيب آخرون، مساء اليوم السبت، في مجزرة إسرائيلية جديدة ضد …