4:47 مساءً / 14 أكتوبر، 2024
آخر الاخبار

انواع الذكاء ، بقلم : محمود حسين

فعاليّة التعليم ، بقلم : د. محمود حسين

انواع الذكاء ، بقلم : محمود حسين


لدينا مقولات تشير إلى أهمية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، مثل “فلان بارع في هذا المجال ولكنه غير ناجح في ذاك”. وهذا يعكس اعترافًا ضمنيًا بأن الذكاء قد يتواجد في مجال أو أكثر من مجالات الشخصية، بينما قد يفتقر الشخص إلى الذكاء في مجالات أخرى. ومع ذلك، نعتبر أن الذكاء هو مفهوم موحد، إما أن يتواجد لدى الفرد أو لا يتواجد. ورغم وجود هذا التناقض، فإننا نميل إلى تفضيل الفهم الأخير الذي يدعو إلى توحيد مفهوم الذكاء.

منذ فترة طويلة، كنت أتساءل: هل أنا ذكي؟ لقد طرحت هذا السؤال على نفسي مرارًا، لكنني لم أصل إلى استنتاج نهائي. من الصعب القول بأنني أقل من المتوسط في الذكاء؛ فأنا متفوق في مجال دراستي وناجح في حياتي وعملي، لكن نجاحي في مجالات أخرى قد يكون قابلًا للنقاش. على سبيل المثال، على الرغم من نجاحي في المواد العلمية مثل الرياضيات، إلا أن تصوري عنها لا يتوافق مع تصور الأشخاص الذين يُعتبرون ذكاءً. بالإضافة إلى ذلك، أدائي في القضايا الاجتماعية قد يكون دون المتوسط.


ثم توسعت ملاحظاتي لتشمل الآخرين، حيث يوجد عظماء في التاريخ حققوا نجاحات بارزة في بعض المجالات بينما كانت إنجازاتهم محدودة في مجالات أخرى. ومن خلال خبرتي وتجربتي في الإدارة، لاحظت أن هناك أشخاصاً قد يفشلون في مجالات معينة، لكن عندما تُسند إليهم مهام في مجالات مختلفة، يظهرون إبداعاً ملحوظاً.


في الغرب، انتشرت فكرة توحيد الذكاء منذ أن قام العالم النفسي الأمريكي لويس ترمان بتطوير مقاييس أو اختبارات الذكاء خلال الحرب العالمية الأولى. وقد استندت هذه الاختبارات إلى أعمال العالم الفرنسي ألفريد بينيه وآخرين، حيث تشمل مهارات اللفظ والمنطق الرياضي، ويتم التعبير عن نتائجها من خلال حاصل الذكاء (IQ). ومن ثم، أصبح الاعتقاد السائد هو أن الإنسان إما ذكي أو غير ذكي، وأن هذه الحالة تُعتبر فطرية ولا يمكن تغييرها.


تبع ذلك مجموعة من الدراسات والأبحاث والتجارب التي أجراها علماء نفس بارعون، حيث تناولت هذه الدراسات العواطف والدماغ، بالإضافة إلى نظريات واستنتاجات متعددة. وقد قام دانيال غولمان، الصحفي السابق وعالم النفس، بعرض هذه النتائج في كتابه “الذكاء العاطفي”. ويشير غولمان إلى أن الذكاء العاطفي قد يكون أكثر أهمية من معدل الذكاء التقليدي. ويعرف هؤلاء العلماء الذكاء العاطفي بأنه:


1- وعي الإنسان بكنه العواطف التي تجيش في نفسه لحظة بلحظة مما يجعله أقدر على توجيه مسار حياته واستعمال خياراته واتخاذ قراراته بصواب ودقة.
2- مقدرته على التحكم بهذه العواطف بحيث يكون التعبير عنها بالقدر المناسب للموقف الذي يواجهه وبحيث تمكنه هذه المقدرة من اجتياز المصاعب والانتكاسات والقلق والانفعال والغم.
3- تحفيز النفس، ومن يملك هذه الصفة يبدع في أي مجال يدخله لأنه يتحلى بالصبر والسيطرة على النفس والتعامل مع الفشل والاحباط وتجاوزهما وتأجيل الراحة والمتعة.


4- ادراك مشاعر الآخرين ورغباتهم واحتياجاتهم هو مدخل للإيثار وحب الناس.


5- المقدرة على التعامل في العلاقات مع الآخرين، وهذا فن ومهارة في توجيه مشاعر الآخرين وكسب ودهم وتعاونهم.
بعبارة أخرى، الشخص الذي يتمتع بذكاء عاطفي هو من يستطيع كسب الناس وبناء علاقات مثمرة معهم. وهو غالبًا ما يكون أكثر نجاحًا في الحياة العملية والعيش بسلام مع نفسه مقارنة بالشخص الذي يمتلك ذكاءً عالياً ولكنه يفتقر إلى الذكاء العاطفي. عادةً ما يكون الشخص الذي يمتلك ذكاءً عالياً دون ذكاء عاطفي انطوائيًا وحساسًا، ويفتقر إلى التواصل مع مشاعره ومشاعر الآخرين، مما يجعله غير مدرك لأهمية العلاقات الإنسانية ولا يستطيع التعامل معها بشكل جيد. هذا المثال قد يبدو متطرفًا للتوضيح، لكن في الواقع، ليس كل من يمتلك ذكاءً عالياً يفتقر إلى الذكاء العاطفي، فقد يجمع البعض بين النوعين، والعكس صحيح أيضًا.


هذا يوضح لنا سبب وجود أشخاص في حياتنا اليومية يتمتعون بذكاء وقدرات أقل من غيرهم، ومع ذلك يحققون تقدماً في مجالات الحياة. الدراسات التي أجراها هؤلاء العلماء والتي تتبعت الخريجين تدعم هذا الأمر، مما يعني أن هذه الظاهرة شائعة ولا تقتصر على مجتمع معين دون سواه.


أود أن أذكر أنني قد تعاملت مع أشخاص من هذا النوع، الذين يتمتعون بكفاءة وذكاء عالٍ، لكنهم يسببون مشاكل أكثر مما يحلون. هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى وقت وجهد كبيرين مني لحل مشكلاتهم وفصلهم عن الآخرين، خاصة إذا كان عملهم يتطلب إدارة فريق أو التعامل مع الجمهور. لذلك، قمت بإدراج القدرة على التكيف والتعاون مع الآخرين ضمن معايير تقييم هؤلاء الأفراد، ومنحتها أهمية تتناسب مع مدى تفاعلهم مع الآخرين. أما من لم يتمكن من ذلك، فيجب تغيير مهامه. وإذا كان على المسؤول أن يختار بين شخصين، فسوف يفضل الشخص الذي يستطيع التعامل مع الآخرين وتخفيف الأعباء عن رئيسه، حتى وإن كان مستوى ذكائه وكفاءته أقل من الشخص الآخر.


ومن حسن الحظ ان الذكاء العاطفي يمكن أن يتعلمه الإنسان متى ما وعي أهميته سواءً عن طريق الأهل أو المدرسين أو الإنسان نفسه.

شاهد أيضاً

النيابة العامة تطلق دليل الارشادات التوجيهية للمعاملة الصديقة للطفل أثناء الإجراءات القانونية

النيابة العامة تطلق دليل الارشادات التوجيهية للمعاملة الصديقة للطفل أثناء الإجراءات القانونية

شفا – أطلقت النيابة العامة اليوم دليل الإرشادات التوجيهية للمعاملة الصديقة للطفل أثناء الإجراءات القانونية، …