5:51 مساءً / 27 يوليو، 2024
آخر الاخبار

من يضع قواعد اللعبة ليس كمن يلعبها “تهديد أمريكي للمحكمة الجنائية الدولية”، بقلم : سماح خليفة

من يضع قواعد اللعبة ليس كمن يلعبها "تهديد أمريكي للمحكمة الجنائية الدولية"، بقلم : سماح خليفة

من يضع قواعد اللعبة ليس كمن يلعبها “تهديد أمريكي للمحكمة الجنائية الدولية”، بقلم : سماح خليفة

تقتضي قواعد محكمة الجنايات الدولية من منظور الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لها، بل والمؤسسة لها كما أشرنا في مقال سابق، أن تكون تلك القواعد خارج إطارها، بمعنى ألا تطبق على من وضعها، أو من ترضى عنهم من حلفائها، فالولايات المتحدة، وعينها على الشرق الأوسط (إسرائيل) لا تعترفا بمحكمة الجنايات الدولية، وليستا في عداد الدول التي تعترف بولايتها؛ ومن الطبيعي أن تكيل بمكيالين، كما أن واشنطن ما زالت ترفض الانضمام إلى معاهدة روما، معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، التي دخلت حيز التنفيذ في العام 2002م ، والتي حددت أربع جرائم دولية أساسية: جرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، والإبادة الجماعية ، وجريمة العدوان، وترفض خضوع أيّ مواطن أمريكي لقوانينها.

ترفض أمريكا وإسرائيل أي قرار يصدر عن المحكمة، يمسّهما، أو يهدد مؤسساتها ورعاياها، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن رحّب بقرار المحكمة إصدار مذكرة اعتقال دولية بحقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يرتكب في أوكرانيا ما ارتكبته إسرائيل في غزة، لكن خطوتها تلك كانت بضغط من واشنطن وحلفائها، بالمقابل هي لم تصدر سابقًا مذكرات توقيف إلا بحق دول نامية أو فقيرة، من طراز أوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى والسودان؛ لكنها لم تجرؤ على سبيل المثال إصدار مذكرات بحق الرئيس الأسبق جورج بوش الابن في غزو العراق وأفغانستان، حيث 1,2 مليون ضحية؛ ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في الملفات ذاتها، خاصة جنوب العراق، والبصرة؛ ورؤساء الحكومات الإسرائيلية نتنياهو، إيهود أولمرت، إيهود باراك، إسحق شامير، إسحق رابين، مناحيم بيغن.

وفي إطار ازدواجية المعايير ذاتها نذكر المفارقة اللافتة في قرارات العدالة الدولية بحق الجرائم المرتكبة بحقّ الإنسانية، تحت وصاية القوى العظمى وبإذن منها، حين وقف مجرم حرب مثل ميلوسيفيتش (جزار البلقان) في قفص الاتهام، كان مجرم حرب آخر، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون (جزار فلسطين)، يواصل ارتكاب جرائمه اليومية، بل كان يحظى بتصفيق الولايات المتحدة، وتأييدها وإطرائها، وأمام ذلك المشهد التزمت معظم الدول الأوروبية الصمت، جراء ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

وكخطوة استباقية لإصدار مذكرة بحق نتنياهو من قبل الجنائية الدولية، يوجه أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، أنصار دولة الاحتلال أو نوّابها غير المباشرين في أمريكا رسالة تهديد مباشرة، يوقع عليها 12 من سناتورات أمريكا إلى (كريم خان) المدعي العام للمحكمة، مفادها: “أن تستهدف السيادة الإسرائيلية، يعني أنك تستهدف السيادة الأمريكية؛ فإذا فعلتَ واستهدفت، فإننا سنفعل ونستهدفك؛ لقد جرى تحذيرك”.

وهذا الأمر ليس جديدًا، إنما سبقه فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات على موظفي الجنائية الدولية الذين شاركوا في تحقيقات حول جرائم حرب محتملة ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان؛ وقام خلفه الرئيس الحالي بايدن بإبطال تلك العقوبات، تحت وطأة الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان وإعادتها إلى طالبان، كذلك، رفض إدارة بايدن، ذاتها، احتمال إصدار الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحقّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، ورئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي.

لا فرق في ذلك التوجه بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن انتمى هؤلاء السيناتورات (توم كوتون، ميتش ماكونيل، مارشا بلاكبرن، كاتي بويد بريت، تيد باد، كيفن كريمر، تيد كروز، بيل هاغرتي، بيت ريكتس، ماركو روبيو، ريك سكوت، وتيم سكوت) إلى الحزب الجمهوري، فإن السناتور الديمقراطي (جون فيترمان)، بنسلفانيا، لم يكتفِ بمساندة حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، ولم يتراجع قيد أنملة عن تأييده حتى بعد أكثر من 43 ألف ضحية، معظمهم من الأطفال والنساء؛ إنما نجده اليوم يدين اعتصامات الاحتجاج الطلابية في الجامعات الأمريكية، وكذلك النائب الديمقراطي (ريشي توريس)، نيويورك، الذي سارع؛ لينتقد تلويح بايدن بوقف تزويد الاحتلال بأسلحة هجومية؛ فذهب إلى درجة اتهام الرئيس الأمريكي بتعريض مصداقية الولايات المتحدة للسخرية.

وفي الإطار ذاته لا يفوتنا بشار الأسد، رأس الحربة السورية التي لم تستطع المحكمة حيال جرائمه إلا أن تقوم بجمع الأدلة على ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في سوريا، منذ الانتفاضة الشعبية الأعنف، في آذار 2011م؛ أو قبل ذلك، في عشرات المجازر، التي كانت مجزرة مدينة حماة، 1982م، ذروتها الوحشية، ولكن حتى بعد جمع الأدلة أو العشرات والمئات منها، فإنّ المحكمة كانت وما زالت عاجزة عن فتح تحقيق رسمي؛ لأنها في حاجة إلى قرار من مجلس الأمن لإحالة الملفات إلى المحكمة؛ وستجد واشنطن وموسكو وبكين الكثير من الأسباب المشتركة، لرفض الإحالة.

وما زال حق النقض (الفيتو) سيفًا يسلط على رقاب بعض الدول دون غيرها، وعاملًا يعرقل عمل المحكمة، فالولايات المتحدة وروسيا والصين، لا تعترف بالمحكمة، أو تعرقل عملها بقوة حق النقض (الفيتو)؛ فضلًا عن أنّ 69 دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة، ليست منتسبة إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذا بدوره يعزز نهج الكيل بمكاييل مختلفة، وفقًا لحال الملفّ المطروح على المحكمة، ومدى مساندة أو مناهضة تلك الدول له، خاصة تلك التي تملك بالفعل سلطة التعطيل، أو حتى فرض عقوبات على المحكمة وقضاتها؛ كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في خريف 2018م، حين أبلغ الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنّ المحكمة لا شرعة لها ولا شرعية ولا سلطة في الولايات المتحدة.

إن ممارسة الفساد الرهين بقوة السلطة الأمريكية، والذي خلق تلك الجرأة أو الوقاحة في رسالة الشيوخ الأمريكية التهديدية لم يأت من فراغ، إنما من ميزانية ضخمة بلغت حتى عام 2022م ما يقارب 154,855 مليون يورو، تدير بها المحكمة نحو 900 موظف، ينتمون إلى قرابة 100 دولة، في مقرّ ضخم تستضيفه مدينة لاهاي الهولندية، ومكاتب اتصال فرعية ملحقة بمبنى الأمم المتحدة في نيويورك وفي 7 دول أخرى، وهذا ما جعل من البيروقراطية “مرضًا” على حد تعبير الباحث في الشؤون السياسية الدكتور محسن إبراهيم، وهذا المرض لا يتفشى إلا بأجساد الدول غير المرضي عنها من قبل رأس الهرم، القوى العظمى، التي تدير رحى اللعبة السياسية حول العالم.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

شفا – هاتف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وزير خارجية سلطنة …