7:48 مساءً / 29 أبريل، 2024
آخر الاخبار

حرب داخلية أجدى من حرب خارجية، بقلم : سماح خليفة

حرب داخلية أجدى من حرب خارجية، بقلم : سماح خليفة

حرب داخلية أجدى من حرب خارجية، بقلم : سماح خليفة

بعيدًا عن الصمت العربي، ودعم بعض الدول العربية للعدوان الإسرائيلي؟ وبغض النظر عن الدعم الأمريكي الكبير وغير المسبوق لدولة المحتل في همجيتها وإبادتها لشعبنا في قطاع غزة، وبالتركيز على الشأن الداخلي في حدود فلسطين، نطرح السؤال التالي: على ماذا تعول إسرائيل في ثقتها الكبيرة بالبقاء على هذه الأرض، وإحكام قبضة المحتل على فلسطين بِشقَّيها الضفة الغربية وقطاع غزة؟

إثر تكليف الرئيس محمود عباس الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، أعربت حماس عن رفضها لتلك الخطوة بوصفها سياسة تفرد في القرارات دون توافق وطني، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، تعمل على تعزيز سياسة التفرد وتعميق الانقسام، في لحظة تاريخية فارقة، أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تحضّر لإجراء انتخابات حرة ديمقراطية بمشاركة جميع مكونات الشعب الفلسطيني، خاصة ان الطرفين: حماس وحركة فتح برئاسة محمود عباس قد شاركا مؤخرًا في اجتماع موسكو لإنهاء الانقسامات الممتدة منذ فترة طويلة، وبالتالي فإن تلك الخطوة (برأيها) تضعف التطلعات السياسية للفلسطينيين.

لترد فتح على ذلك التصريح ببيان شديد اللهجة، من شأنه ليس فقط أن يعزز حالة الانقسام الداخلي، وإنما يزرع بذور الفتنة والانقسام والكراهية وينميها من جديد، حيث أنها وصفت حماس بالمسبب الرئيس لنكبة ثانية يعيشها الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر تفوق نكبة 1948م، وأنها من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وبالتالي لا يحق لها إملاء الأولويات الوطنية.

إن من يقرأ رد حركة فتح يستطيع أن يستنتج أن من كتبه فرد وليس بإجماع حركة فتح، ولتصفية حسابات شخصية ليس إلا، وخاصة عندما يهمش المسبب الأول والأكبر والأخير في نكبة الشعب الفلسطيني وممارساته الهمجية، وإعلان الرئيس وخاصة بعد اتفاقية أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال، أن المقاومة بالسلاح ليست نهجًا متبعًا لدى السلطة الفلسطينية، فكيف ستستشير حركة حماس حركة فتح بسُبل المقاومة! وكيف يمكن لمقاومة في أرض محتل يباد يوميًّا أن تكون سلمية!

وأما بالنسبة لمصطلح المقاومة بشكل عام، فإن مقاومة المظلوم للظالم هي أمر فطري لا يمكن الانفكاك منه بالمطلق، مهما وجدت من مؤثرات وضغوطات للاستسلام والخضوع، والقبول بدور الضحية المستضعفة، وباستعراض حركة المقاومة عبر التاريخ، وبالرد على من يقول أنّه لا يجوز لحركة حماس الإقبال على تلك الخطوة في ظل عدم وجود توافق في القوى، فإنه لم يتساو الجلاد والضحية من حيث القوى في يوم من الأيام، وان ما يقود حركة التحرر هو الإرادة القوية والصمود والإيمان بالحق المسلوب من أرضه ووطنه، وعليه استرجاعه.

وباستعراض سريع لحركات التحرر الوطنية عبر التاريخ في العالم، والوطن العربي خاصة، نستطيع أن نخرج بنتيجة تحسم الجدل الدائر بين حركتي فتح وحماس، ومعرفة الركيزة الأولى التي تعوّل عليها إسرائيل لإحكام قبضتها على الشعب والأرض والوطن:

تعددت حركات التحرر الوطنية عبر التاريخ، كجبهة التحرير الوطني لجنوب فيتنام (الفيتكونغ) وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وحركة استقلال ناميبيا سوابو، وجبهة تحرير موزمبيق فريليمو، وجبهة تحرير الكونغو، وبالطبع منظمة التحرير الفلسطينية، وبحلول عام 1960 أعلنت ما لا يقل عن 17 دولة أفريقية عن استقلالها، حصلت ليبيا على استقلالها عام 1951م، والجزائر التي انتهت بثورة المليون شهيد، لتنتهي حرب التحرير الجزائرية عام 1962م بإعلان استقلال الجزائر، ومغادرة مئات الالاف من الفرنسيين من الذين أقاموا في الجزائر منذ احتلالها عام 1830م، وأما سوريا ولبنان فقد خرج الاحتلال الفرنسي منهما نهائيًّا بعد انتزاع الاستقلال عام 1946م، وأما مصر فقد أجليت القوات البريطانية منها بعد إجلائها من قناة السويس عام 1956م، إثر معاهدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وأما فلسطين التي بدأت حركات التحرر فيها منذ هبة عام 1920م، إثر قيام اليهود باستفزاز العرب والمسلمين والتبجح بأن فلسطين لهم، ثم ثورة يافا عام 1921م التي بدأت بسماح المندوب السامي البريطاني ببيع الأراضي الفلسطينية لليهود، وإصدار طوابع فلسطينية باللغة العبرية، ثم هبة البراق عام 1929م، عندما تجرأ اليهود وهجموا على المسجد الأقصى واحتلوا الجانب الغربي عند حائط البراق، ثم ثورة الشيخ عز الدين القسام الذي استشهد عام 1935م، لتتبعها الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م حتى 1939م، والتي انتهت باحتلال أجزاء كبيرة من فلسطين، وهزيمة الجيوش العربية عام 1948م، لتدخل فلسطين في مرحلة النكبة الكبرى، التي اقتلعت ثلثي الشعب الفلسطيني وشرّدتهم من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم وحولتهم إلى لاجئين، وأقامت إسرائيل كدولة لليهود المهاجرين، المستوطنين بالقوة، وهو ما لم يتم تجاوزه في أي شكل من الأشكال حتى الآن.

في السياق ذاته علينا ملاحظة، أن النكبة بالنسبة للفلسطينيين ليست شأنًا عامًا فقط، ولا سلبًا لأرض وأملاك وحرمان من هوية، واقتلاع من الزمان والمكان فحسب، على خطورة هذا وذاك، فذلك حصل منذ 75 عامًا، وقد نشأت بعدها أجيال جديدة من الفلسطينيين، الذين يعانون بشكل أو بآخر كذلك، من استلاب حقوقهم، الجمعية والفردية، وحرمانهم من المواطنة في وطن خاص بهم، وهي مع كل ذلك شأن شخصي، إذ حولت الفلسطيني إلى شخص لاجئ أو إلى حالة أمنية أو قضية سياسية، أو مجال للابتزاز والمزايدة والتوظيف، في معظم بلدان اللجوء والشتات، كما حولته إلى مواطن من درجة أدنى في أرضه (ضمن إسرائيل)، أو إلى مجرد سكان مقيمين في الأراضي المحتلة (1967م)، رغم إقامة سلطة لهم، هي بمرتبة حكم ذاتي.

هذا الضغط المتراكم والذي أسفر عن ولادات متمثلة بالحركة الوطنية الفلسطينية عام 1965م، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي جامع لشعب فلسطين، مع تأثير ذلك على الفلسطينيين وعلى مكانتهم عربيًا ودوليًا. ثم عقد اتفاق أوسلو عام 1993م وإقامة سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع، لكن تلك السلطة لم تسعف الشعب الفلسطيني لا على الصعيد الذاتي ومواجهة متطلبات الحياة اليومية بمقوماتها المشروعة، ولا على صعيد مجابهة المحتل الإحلالي الذي يمارس بحق شعبنا أبشع أنواع القتل والتعذيب والأسر والهدم، وهذا ما عزز الانقسام وجعلنا إزاء سلطتين، واحدة في الضفة الغربية لحركة “فتح”، والثانية في غزة لحركة “حماس”.

وكنتاج طبيعي في ظل عدم وصول السلطة لحل أي من المسائل التي نجمت عن النكبة، وعدم تغيير الواقع الفلسطيني، تعود المقاومة الفلسطينية من جديد لتطفو على السطح، وتستمر حتى يومنا هذا متمثلة بالعملية الأخيرة لطوفان الأقصى، الذي جاء نتيجة تراكمات من الضغط والقتل والتدمير والتشريد من قبل قوات الاحتلال الهمجية، وما ليس طبيعيًّا أن تقوم عناصر من حركة فتح بقلب الموازين وكيل الاتهامات إلى حركة حماس بأنها سبب النكبة، التي فاقت بشاعة المحتل السبب الرئيس في معاناة الشعب الفلسطيني، وهذا لا يقودنا إلّا إلى استنتاج واحد، وجود عناصر فردية لا تمثل حركة فتح عامة، ولا الرأي الشعبي العام من حيث طريقة الهجوم والباب الذي دخلت منه لإثارة الفتنة إلا أن تكون عناصر غير ممثلة للحركة، وهو ما يخدم المحتل الإسرائيلي ويرفع عن كاهله، بصفته الحقيقية كمحتل ومغتصب ومرتكب أكبر إبادة جماعية تدينه إنسانيًا ودوليًّا، عبء السيطرة على الضفة وقمع أي مطالبات مشروعة للشعب الفلسطيني لممارسة حريته في الحياة والعبادة والتعليم بكافة مقومات الحياة الطبيعية المشروعة على أرضه وفي وطنه.

شاهد أيضاً

محافظ سلفيت اللواء عبدالله كميل يبحث مع سفير مالطا تطوير العلاقات الثنائية

شفا – بحث محافظ سلفيت اللواء د. عبدالله كميل مع سفير جمهورية مالطا لدى دولة …