3:11 مساءً / 29 أبريل، 2024
آخر الاخبار

الفجر الأول من رمضان غزة وسياسة النقد الثقافي ، بقلم : سماح خليفة

الفجر الأول من رمضان غزة وسياسة النقد الثقافي ، بقلم : سماح خليفة

الفجر الأول من رمضان غزة وسياسة النقد الثقافي ، بقلم : سماح خليفة

من أهم وأخبث سياسات العدوّ في تعامله مع الشعوب المحتلة إشغالهم بصغائر الأمور وتوافهها، والدخول إليهم من باب عقيدتهم، وخياريّ الحلال والحرام، فيلجأ إلى دسّ الخلاف بينهم بطرق جهنميّة، تحصرهم في خيارين كلاهما يصبّ في مصلحته، ويلههم بهما وبالصراع حول أيهما يختارون، بعيدًا عن التفكير بالقضية الأساسية وأسبابها ومخرجاتها.

في ظل المجاعة الكارثية القائمة في غزة قبيل شهر رمضان، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي السؤال التالي: “هل يجوز صيام شهر رمضان في غزة، دون تناول طعام السحور وطعام الإفطار؟”، مما أثار دهشتي واستغرابي، لماذا نقحم الإفتاء والدين في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا؟ نزجّ الناس في متاهة الحلال والحرام، ونشغلهم بأمور وجدل هم في غنى عنه في ظل هذه الكارثة الإنسانية الكبيرة، التي خلقها المحتل الهمجي في ظل الحرب.

في الوقت الذي أثير الجدل بين البالغين حول هذا السؤال (بعمد أو بدون عمد) يجيب طفل صغير عنه بكل عفوية وفطرة سليمة، حيث كانت تبدو عليه علامات السعادة الكبيرة؛ لحصوله على كيس مساعدات من المظلات التي أسقطت من سماء غزة، يلتقي به أحد الشباب المراقبين للمشهد، ويدور بينهما حوار تلقائيّ طريف:
الشاب: “لم أنت سعيد إلى هذه الدرجة؟”


الطفل: “لأني حصلت على كيس طعام؟”
الشاب: ماذا ستفعل به؟
الطفل: “سأخبّه للسحور”

إن إجابة الطفل تحوله إلى مفتٍ حكيم، وتلغي حالة الجدل والخلاف التي زُجّت بنوايا ليست سليمة، لتصرف الجمهور عن التفكير بالمصيبة الكبرى التي يمارسها المحتل الهمجي، من إبادة جماعية، ومجاعة كارثية بين أهلنا في غزة، ففي حالة وجود الطعام، بديهيّ لأي مسلم يتمتع بفطرة سليمة وإيمان صادق، أن تؤجل الوجبة لوقت الإفطار أو السحور، كما فعل الطفل، وفي حالة عدم وجود سحور أو إفطار، فلا محل للسؤال من أصله، فلو أفتي بعدم جواز الصيام، فالنتيجة ستكون الإفطار، الذي يركلنا إلى دائرة السؤال مرة أخرى: وماذا سيفطر؟ لا يوجد إفطار، فيدور المسلم في دائرة السؤال العبثية، التي أعتقد برأيي أنها سياسة ممنهجة ممن يعمدون إشغال الناس بتوافه الأمور التي تجرهم إلى شرخ صف المسلمين، وزرع الخلاف بينهم، واجترارهم خارج المبادئ العامة والقيم الشاملة المجردة التي في حدودها تنبع التعددية الإسلامية، مناقضة كل التناقض تلك الشمولية والأحادية، وسلطة الرأي الواحد التي تقول “الأحزاب” الإسلامية به، كلّ على اختلاف مشربه واختلاف إدراكه واختلاف هدفه، فهل تتسع قلوب أهلنا في غزة إلى عملية نقد ثقافي تُخرج من الدين ما ليس منه؟

لا يقتصر الأمر على العامة، إنما يقع العلماء، أحيانًا، في هذا الشرك، وإن كانوا غير قاصدين لذاته؛ لكن النتيجة واحدة في النهاية على مستوى الأمة ومواقفها المصيرية، والعالِم مكلّف شرعًا بإدراك الواقع، فإن لم يدركه فهو والعامي سواء، فليس لحفظ المتون والأحكام الشرعية عندها قيمة، ومن لوازم العالِم الفقيه شدة الذكاء والدهاء، فإن كان مغفلا ذو قراءة سطحية للنوازل لم يكن أهلا للفقه.

لكنّ حكمة الله ورحمته التي أنزلها في عقول وقلوب أهل الخير والجمع الغفير من غزة، جعلهم يتنبّهون للأمر، ويتمسكون بوحدة الدين والعقيدة والوطن والحق التاريخي في الوجود على هذه الأرض، لم يفوّتوا صلاة التراويح على أنقاض المساجد المدمرة، ولم يفتهم تشارك ما تيسر من طعام وشراب بين الناس في غزة، وإقامة موائد السحور في الفجر الأول من رمضان، بنكهة السعادة وفرحة الصمود، ولغة الحياة التي لا يفقهها حكام الشعوب العربية، أصحاب القلوب المتحجرة والضمائر الميتة.

غزة تستقبل رمضان برفع صوت الأذان عاليًا “الله أكبر”، وخلق أجمل الأجواء رغم الحصار والدمار والقصف، فشعب غزة يثبت كل يوم أنه شعب حياة وحب وسلام، هو أكبر من كل المؤامرات التي تحاك ضده.

شاهد أيضاً

وزير الزراعة يلتقي رئيس سلطة جودة البيئة لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك

شفا – في اطار توجهات الحكومة الفلسطينية التاسعة عشر برئاسة دولة الاخ الدكتور محمد مصطفى …