8:07 صباحًا / 27 يوليو، 2024
آخر الاخبار

هي للرّيحان أُم ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

هي للرّيحان أُم ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

هي للرّيحان أُم ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

تربّعت على ربوة بتواضع تكسوها الخضرة وصخور هي آثار أمم غابرة، ما أن يبدأ السهل الساحلي بامتداده حتى ينحني ساجداً عند جذور أول تلّة تصادفها، ترنو إلى البحر باستحياء، والزينة بأشجارها البرية ذات الألوان المتعددة الزاهية تباهي بها كل الهضاب، تنبعث منها رائحة تعجّ بالمكان.


امتزج عطرها من شجر الغار والسريس والسنديان، وأشجار أخرى لم يعرف لها اسم وإن كان الريحان باسمها. ما بين هبة نسيم وأخرى وتمايل الأشجار تختلس النظر إلى بيّارات البرتقال وأرض حرم أهلها أن يطئوها بأقدامهم، في شمالها تصافح جبل اسكندر لكنها تعجز عن مجالسته بعد أن كان نديمها فقد تدنس محيطة بقادمين مغتصبين سلبوا عباءته.
التراب الذي جبل بدم الشهداء رسمت عليه مساكن يفوح من أطرافها ريح دم خبيث، قيدوا معصمها بأسلاك شائكة تنساب الكهرباء بأحشائها حتى الطير والبهائم تقع فريسة نارها، من لم يمت وقع بحمم فوهة ماسورة خرساء صماء يدوس على زندها غاصب محتل.


هادئة وادعة، الحياء في نور لوزها والحمرة بأزهار الحنون التي غطت جبينها ، جدائلها ترامت بالواد السهلي الذي انتشر في أحضانه شجر الخرّوب والزعرور وأشتال الزيتون واللوز لم تكن يوما تشكو ضنك الحياة والعوز، لم يرق ذلك لخفافيش العتمة حتى جلبوا خنازيرهم البرية المغترسة يزرعوها بأريكتها الخضراء؛ لتعيث فيها فساداً وتخريباً وتعبث بالشجر والبشر، حاصروها بخبثهم لكن كعادتها ريحانة لا تذبل عصيّة على الدّخلاء وان لفّ الحزن ليلها، نهارها ليس أفضل حال من ليلها، مزقوا زينتها بطرقات حتى تمر آلياتهم وتكشف خصوصيتها، سرقوا البصر إلى صحن دارها، عيونها الذابلة الناعسة ذات الأهداب المترامية تبعث الرعب في قلوبهم. في صحوها بريق يتأجج من عيونها، يربك اتزانهم ليحتموا بمركبات محصنة كأنها جرذ فولاذية تحبوا على الأرض ، منعوها من الامتداد حتى لا تستنشق الهواء وتختنق ظناً واهماً. ستحزّم ما تبقى من أمتعة لها وتغادر مبتعدة عن زينتها، هل لعاشقة ريفية أن تترك حبيباً هو سر وجودها؟ هل لها من عيشة بغير بحر تغازله، فهي عذراء وإن تكالبت على أطرافها الرومان وأمم خلت، هي ترى الشمس كل يوم، تحلم بعناق لا عزول فيه.


إنها للريحان أم، هل تتنكر الأم لأبنائها ؟هل يمكن لحرة أن تفرط بعفتها؟ إنها ودودة ولودة لأهلها، عاقر عقيم لغيرهم وللدخلاء العابرون. الخير في أذيالها والحب السرمدي في حبات ترابها، ما من دخيل إلا لفظته، قصر الزمان أو طال، فهل لهؤلاء العالقون على ممرات ما اتسخ من الذاكرة العفنة أن يعتبروا؟!

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

شفا – هاتف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وزير خارجية سلطنة …