3:23 صباحًا / 6 مايو، 2024
آخر الاخبار

الصدمة الاستعمارية للفلسطينيين: من الأجداد للأحفاد، ومسارات الشفاء، بقلم : د. سماح جبر

الصدمة الاستعمارية للفلسطينيين: من الأجداد للأحفاد، ومسارات الشفاء، بقلم : سماح جبر

الصدمة الاستعمارية للفلسطينيين: من الأجداد للأحفاد، ومسارات الشفاء، بقلم : د. سماح جبر

تشير الصدمة الاستعمارية إلى الإصابات النفسية و الاجتماعية والثقافية التي يسببها الخضوع للاستعمار والتي تمتد بعد الفترة الاستعمارية تاركة في طياتها آثاراً لا تُمحى، فهي لا تنتهي فقط مع الأفراد والمجتمعات الأوائل الذين عاشوا تجارب الاستبداد والاستغلال، بل تستمر مع الأجيال الأخرى التي يمكن أن تظهر أعراضها عليهم بوضوح في المستقبل.

تنتج الصدمة الاستعمارية عن العنف المباشر الناتج عن الاستعمار والظلم التاريخي والتهجير القسري والمجازر والعنف الممنهج النظامي والاستلاب القسري للأرض والخيرات والتغريب الثقافي ومحاولات محو الهويات الثقافية، مما يعيق طرق نقل الثقافة الطبيعية، بما في ذلك الهوية الذاتية والجمعية، ويتسبب بألم وضرر يتسللان عبر الزمن إلى العقول والأرواح والنسيج الاجتماعي.

علامات الصدمة الاستعمارية في فلسطين:

إن الصدمات التاريخية الاستعمارية التي واجهها الأجداد تسببت بمجموعة من المشاعر والسلوكيات والعلامات الشائعة كالحزن العميق الذي يسببه فقدان الأحباب و الأرض والممتلكات وما ترتب عليه من النكوص الاجتماعي والقلق، والاكتئاب واليأس والأسى المزمن والارتياب. هناك العديد من الطرق التي يمكن بها رؤية هذه الأثر الصادم في أنظمة العائلات كالعصبية والقبلية والمحسوبية والعلاقات المجتمعية المضطربة والمتوترة ، وصعوبة بناء هوية ذاتية إيجابية.

كما يبدو التغريب الثقافي والروحي جليا في ظل حرمان معظم الفلسطينيين من زيارة أماكن العبادة في القدس وفرض المناهج التعليمية الاسرائيلية والعوائق المفروضة على لمّ شمل العائلات وتدمير المواقع الثقافية مثل مقبرة مأمن الله وبناء “متحف التسامح” في موقعها وتهميش اللغة العربية وتشويه السجلات التاريخية والتلاعب بالتراث الفلسطيني، مما يؤدي إلى تعطيل الممارسات الثقافية للفلسطينيين.

يؤدي الظلم النظامي إلى تفاوت في توزيع الموارد والفرص، مع تفضيل السكان الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين وفرض الضرائب المختلفة عليهم بشكل يضيّق على الفلسطينيين ماديا ويدعوهم -ولو بشكل غير مباشر- إلى الهجرة أو الانكماش أمام الاسرائيليين. وفي مثال آخر على الاستغلال الاقتصادي ما يقوم به الاحتلال من استيلائه على أموال المقاصّة وتحويلها إلى مشاريع تعزز المستوطنات.

كما لا تخفى على أحد تحديات الرعاية الصحية التي يواجهها الفلسطينيون من وصول محدود إلى الرعاية الصحية والحفاظ على تفوّق اسرائيلي في المعدات الطبية لجعل الفلسطيني أدنى مكانة ودائم الاعتماد على الاسرائيلي، والتأخير المتعمد وتعقيد وصول المرضى إلى المرافق الطبية بسبب قيود الحركة والحواجز، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض بشكل أكبر. إن تلك الممارسات تعزز التحديات الصحية وتؤدي إلى فوارق صحية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تنعكس بفوارق صارخة في أعداد وفيات الأطفال والأمهات وتوقّع الحياة وما غير ذلك. إن تأخّر وصول تطعيمات كوفيد 19 إلى الأراضي الفلسطينية عن جارتها الإسرائيلية بأشهر عديدة مثال على تلك الممارسات.

نصائح لشفاء الصدمة الاستعمارية بين الأجيال:

  1. الاعتراف بوجود هذه الصدمة وملاحظة آثارها: لا نستطيع أن نعالج أمرا لا نعترف بوجوده، يأتي شفاء الصدمة الاستعمارية بين الأجيال من إدراك أن هناك نوعًا من أنواع المعاناة الناتجة عن الاستعمار بوجهه الاحتلالي. حيث يساعد هذا الإدراك للأفراد والمجتمعات ضحايا ذلك الاستعمار، على أن يرووا تجاربهم ويلقوا آذانا صاغية متفهمة لألمهم وجراحهم والدخول إلى فضاء يمكنهم من خلاله العمل على التشافي الجمعي.
  1. إحياء الثقافة الأصلية: إحياء الثقافة مثل الاعتناء باللغة العربية ومعرفة الثقافة الأصلية والممارسات التقليدية وما إلى ذلك من عملية البحث عن الذات وسيلة مهمة لاستعادة الهوية المفقودة في أعقاب الصدمة الاستعمارية بين الأجيال. يعتبر التعبير الثقافي أداة مهمة في عملية ترميم ما تهدم من أثر الاستعمار.
  2. التعليم والتوعية: من المهم تعزيز الوعي بالتاريخ الوطني و الاستعماري وتأثيراته النفسية والاجتماعية حيث يمكن أن يساعد ذلك الناس على الحصول على مزيد من المعرفة حول الماضي وتعريفهم بالصدمة الاستعمارية بين الأجيال مما يعزز التفهم والتعاطف تجاه ماضينا والتوقف عن جلد الذات. يجب أن يكون التعليم عنصرًا جادًا في تفكيك دورات الجهل وتحدي المظاهر التي تدعم استدامة الاستعمار واستمرارية الصدمة الاستعمارية.
  3. الدعم المجتمعي والتضامن: من الممكن خلق إحساس بالانتماء والقوة المشتركة من خلال بناء مجتمعات داعمة وتعزيز التضامن والحوار بين الفئات المتضررة والمتخاصمة. يشارك الشفاء الجمعي الأفراد والمجموعات في التغلب على العزلة والمناكفة التي غالبًا ما تكون نتاج الصدمة الاستعمارية.
  4. يعتبر التضامن الدولي عاملا أساسيا يسهم في تعزيز الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات المتأثرة بالصدمة الاستعمارية، حيث يوفر بيئة داعمة تكسر العزلة وتعزز التواصل والتفاعل مع الشعب الخاضع للاستعمار، مما يلعب دورًا حيويًا في استعادة الثقة والهوية للشعوب المستعمَرة. كما يمكن أن يشكّل منصة للتحدث عن التحديات والضغوط النفسية التي يواجهها الأفراد والمجتمعات، وبناء فهم مشترك حول تأثيرات الصدمة الاستعمارية على الصحة النفسية. بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى أنسنة تلك الشعوب والتي يسعى الاستعمار إلى نزع إنسانيتها بكل قوته.
  5. التدخلات العلاجية: وأخيرا نلجأ لخدمات الصحة النفسية لعلاج الأفرد المتأثرين بشكل يعطّل أدوارهم المختلفة في الحياة، وإلى التدخلات العلاجية ذات الحساسية الثقافية، لتجهيز الأفراد أو حتى المجتمعات بوسائل واستراتيجيات تدخّل مصممة خصيصًا نحو استعادة الصحة النفسية المتأثرة من الاستعمار، كجلسات العلاج الجماعي وتحفيز الإرشاد الروحي والدعم الأسري.

للأسف، لا تزال فلسطين تمثّل نموذجا صارخا لتأثير الاستعمار على الصحة النفسية والاجتماعية للأجيال المتعاقبة ما دام الاحتلال قائما،

مما يبرز الحاجة الملحّة إلى استراتيجيات مخصصة للتدخل وتعزيز الشفاء واستعادة الصحة النفسية للمتأثرين في ظل الوضع الاستثنائي والتحديات المستمرة.

شاهد أيضاً

الاحتلال يعترف بمقتل 3 جنود في عملية كرم أبو سالم شرق رفح

الاحتلال يعترف بمقتل 3 جنود في عملية كرم أبو سالم شرق رفح

شفا – اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي رسميا، بمقتل ثلاثة من جنوده في عملية استهداف معسكر …