7:24 مساءً / 29 أبريل، 2024
آخر الاخبار

التفوق الدراسي نِعمة أم نِقمة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال

التفوق الدراسي نِعمة أم نِقمة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال

التفوق الدراسي نِعمة أم نِقمة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال


في كثير من الأحيان يتبادر للذهن تساؤل كبير، هل التفوق الدراسي نعمة أم نقمة، وكيف يؤثر هذا التفوق على حياة الطلبة التعليمية والعملية والاجتماعية، وهل للتفوق ضريبة يدفعها الطالب كاستحقاق لهذه الهبة الربانية التي اجتهد لإظهارها؟ ومما لا شك فيه أن الطالب المتفوق يحتاج للدعم الأكاديمي والدعم النفسي والاجتماعي وخاصة الطلبة من العائلات ذات الدخل المتدني أو حتى معدومة الدخل.


مع نهاية شهر تموز ظهرت نتائج الثانوية العامة، وما إن أعلن الناطق باسم وزارة التربية والتعليم النتائج وأسماء الطلبة الأوائل، حتى بدأت الاحتفالات وانطلقت الألعاب النارية، وازدحمت محلات الحلويات بذوي الناجحين ومحبيهم، ليُعلَن الفرح والسرور في بيوت الناجحين، أما المتفوقين والأوائل منهم فقد تسابقت المحطات لإجراء المقابلات معهم ومع ذويهم، وصدحت أفواههم بإطلاق الأحلام، فهناك من يحلم بأن يكون الطبيب المداوي (وهم الأغلبية)، وهناك مهندس المستقبل والصيدلي وغيرها من التخصصات التي يطلق عليها البعض تخصصات الصفوة أو تخصصات المتفوقين.


في صباح اليوم التالي للنتائج بدأت تطالعنا عبر مواقع التواصل المختلفة الأخبار عن متفوقين حاصلين على معدلات مرتفعة، ولكنهم عاشوا فرحتهم في الظل لضيق الحال، متفوقين يبحثون عن فرص ومنح دراسية لتحقيق أحلامهم، وتنهدات أولياء أمور وقفوا عاجزين أمام أحلام الأبناء الذين كانوا يحثونهم على التفوق لاثني عشر عاماً. حصد الأبناء المعدل المرتفع الذي يجعلهم ينتقون بين التخصصات، ولكن من الذي سيحقق الحلم لهذه الفئة من الطلبة؟ وهنا بدأت رحلة البحث عن منحة هنا أو متبرع هناك أو فاعل خير ليتبنى تعليمهم الجامعي. في ظل ذلك يتبادر إلى الذهن التساؤل لماذا لا يكون هناك نظام حكومي رسمي لتبني ورعاية المتفوقين دراسياً بشكل عادل وشفاف وتكافؤ للفرص بين الجميع. باعتبارهم رأسمال بشري يتم تجهيزه للأعوام القادمة.


التفوق الدراسي والحصول على معدل عالي هو نتيجة جهود مستمرة ومضنية من الطلاب لاثني عشر عاماً متوالية، ويُعتبر ذلك إنجازًا يستحق الاحترام والتعزيز الدائم، ويفتح أفاقًا وفرصًا أوسع للطلاب في الدراسات العليا والحصول على فرص عمل أفضل. كما أنه مجهود لأهلٍ كان جل اهتمامهم لسنوات طويلة من حياتهم تأمين جميع الظروف المناسبة لتفوق أبنائهم، ويصل الأمر في البعض لأن يعتبر تفوق الأبناء خلال سنوات الدراسة هو تفوق شخصي للأهل أنفسهم، مما يتسبب في ضغط كبير على الأبناء ويحملهم مسؤولية تحقيق حلم الآباء قبل تحقيق أحلامهم الشخصية. وهناك من يتفاجأ بالواقع عند التفوق وعدم القدرة على تحقيق الحلم فيدخل في كالة من الحزن والكآبة، وقد يصل الأمر بالبعض بالعزوف عن مواصلة تعليمهم، أو حتى في أضعف الحالات يختارون تخصصات لا يرغبونها لمجرد أن تكلفتها المادية أقل، ولكن تبقى في النفس غصة أن تفوقهم واجتهادهم لم يكن كافياً لحقيق الحلم.


تلعب الحكومات في الدول المتقدمة دورًا فعّالًا في دعم هؤلاء الطلاب واستثمار تفوقهم من خلال برامج المنح الدراسية والمساعدات المالية التي تستهدف الطلاب المتفوقين والفقراء، ويمكن أن تساعدهم في تغطية تكاليف التعليم والمصروفات الدراسية والمعيشية، وهذا تطلب من هذه الحكومات بدايةً أن توفر للطلبة بيئة تعليمية مشجعة ومحفزة تسهم في تنمية قدرات ومهارات الطلاب المتفوقين. يشمل ذلك توفير مدارس ذات مستوى عالٍ من الجودة والمعلمين المؤهلين والموارد التعليمية الحديثة، كما يمكن للحكومات تقديم برامج تنمية المواهب للطلاب المتفوقين في مختلف المجالات، سواء كانت العلوم، الفنون، الرياضة أو غيرها، بالإضافة لتقديم الدعم في مجال البحث العلمي والابتكار وتوفير التمويل والمنح للطلاب المتفوقين الذين يتطلعون إلى الانخراط في مشاريع بحثية وتطويرية مما يمكنهم من توسيع معرفتهم وتطوير مهاراتهم العلمية. فللحكومات وللمجتمع أيضاً دور كبير في رعاية المتفوقين خلال سنواتهم الدراسية المدرسية ودعمهم في دراستهم الجامعية أيضاً.


وعلى الجانب الآخر بعيداً عن التفوق في الثانوية العامة لا بد لنا من عدم إغفال العديد من القضايا النفسية والاجتماعية التي تؤثر على سلوك المتفوقين خلال مراحل حياتهم المختلفة بدءًا من المدرسة وصولاً إلى الحياة الجامعية ثم العملية، مما ينعكس على طبيعة شخصيتهم المستقبلية، فشخصية الفرد تتشكل منذ الصغر، وهنا نلاحظ أن التفوق الدراسي قد يكون عبئاً على صاحبه في بعض الأحيان، فمن المؤكد أن الطلبة المتفوقون دراسيا سيتم تسليط الضوء عليهم من قبل عائلاتهم ومعلميهم، وسيمنح العديد منهم أوسمة الشرف وشهادات التقدير، وتوكل لهم المدرسة مهام تجعلهم يشعرون بالتميز عن أقرانهم، مما قد ينشئ أحياناً عدوانية وحسداً من قبل الطلاب الآخرين. وقد يسبب ذلك عزلة عن الزملاء وعدم وجود الأصدقاء المقربين، وهذا بالطبع سيؤثر على طبيعة علاقاتهم الاجتماعية، ومن ناحية أخرى قد يقود التفوق إلى بعض من الغرور لدى الطلبة المتفوقين أنفسهم، مما يسبب صعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية مع الزملاء، وهذا ما قد يسبب الشعور بالوحدة على المدى البعيد.


لكل أمر أو حدث لا بد من وجود الإيجابيات والسلبيات، فقد يكون التفوق إيجابياً ويعد نعمة كبرى يمتلكها الفرد تساعده على تحقيق طموحه، وبناء شخصيته، وتحقيق العديد من الأهداف العلمية والمادية أيضاً، وقد يكون هناك جانب سلبي يجعل من التفوق نقمة تبرز في صعوبة التواصل الاجتماعي بينه وبين من يحيطون به ويكسبه العديد من العداءات. لذا لا بد من العمل على تهيئة المتفوقين نفسياً وجعلهم ينعمون بمزايا التفوق كنعمة، ويبتعدون عن سلبياته كنقمة.

فالتفوق باعتباره رأس مال الفرد هو كالعملة المعدنية لها وجهان مختلفان. وفي هذا السياق لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن الهدف من التعليم هو بناء إنسان سوي نفسياً وقادر على خدمة وطنه وتقديم الأفضل سواء كان متفوقاً دراسياً أم لا، فكل له دوره في المجتمع، ونحن كتربويون وأولياء أمور من يستطيع قيادة السفينة وإبراز ما هو إيجابي لدى هذه الفئة من الطلبة المتفوقين، ليكونوا قادرين على استثمار تفوقهم وتحقيق أحلامهم وفي نفس الوقت لديهم حياة وعلاقات اجتماعية حسنة وسوية.

شاهد أيضاً

محافظ سلفيت اللواء عبدالله كميل يبحث مع سفير مالطا تطوير العلاقات الثنائية

شفا – بحث محافظ سلفيت اللواء د. عبدالله كميل مع سفير جمهورية مالطا لدى دولة …