3:48 صباحًا / 29 مارس، 2024
آخر الاخبار

عن عودة عصابة شتيرن بقيادة بن غفير ، بقلم : لميس أندوني

لميس أندوني Lamis Andoni

عن عودة عصابة شتيرن بقيادة بن غفير ، بقلم : لميس أندوني

فجر 13 مايو/ أيار 1998، اعتدى مستوطنٌ متطرّفٌ اسمُه حاييم بيرلمان، على عشرة عمّال فلسطينيين كانوا في طريقهم إلى العمل، وقتل ثلاثة منهم، من بينهم خيري علقم، البالغ 53 عاماً، الذي استشهد بعد نزفٍ من جروح طعنات بالسكين، فانبرى محامٍ شاب، يدعى ايتمار بن غفير، للدفاع عن القاتل الذي نجا من إدانة أو عقوبة على جريمته، إذ كان بن غفير، وما زال، من أتباع الحاخام مائير كاهانا، أحد أهم الداعين لقتل الفلسطينيين وطردهم.


في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023، استشهد شاب في الخامسة والعشرين من عمره، بعد أن نفذ هجوماً قتل فيه ستة مستوطنين، اسم الشاب خيري علقم، الذي اختار الانتقام لجدّه الذي يحمل الاسم نفسه، بعد أيام من تعيين بن غفير وزيراً للشرطة، في تحدٍّ لجرح لم يندمل لعائلةٍ مكلومة.

تحدّثت الصحافة الإسرائيلية حينها عن خلفية القصة، ولم يأبه بن غفير أو الحكومة الإسرائيلية، فلا قيمة لديهم لحياة فلسطيني، ومن الأسهل تجاهل المسؤولية بوصفها عملية إرهابية، تثبت مقولة بن غفير للجيش الإسرائيلي “إذا رماكم الفلسطيني بحجرٍ أطلِق النار لتُرديه”.

كان بن غفير، منذ شبابه، داعيةً، بل ومنظّماً عدة مجموعات مسلحة تحرّض المستوطنين على ترهيب الفلسطينيين والتنكيل بهم وقتلهم، لم يُخفِ قَطّ أجندته ولا شراسته، لكن بمؤازرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، انتقل بن غفير من مرحلة التحريض باسم المستوطنين إلى ترهيب مؤسّسي، بعد أن تسلّم وزارة الشرطة، للتحكّم بصورة “شرعية، مؤسّسية” بالفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وفي باقي أراضي فلسطين التاريخية التي تأسّست عليها دولة إسرائيل، من خلال المجازر وتدمير القرى.

ففي الأراضي المحتلة عام 1967، يستخدم بن غفير المستوطنين، بدعم من الشرطة، في عمليات التنكيل، واقتحام باحات المسجد الأقصى، وفي بث رعبهم بقيادته في مدينة الخليل وبدلاً من معاقبة المجرمين وملاحقتهم، تُحكِم هذه المراكز، تحت رعاية بن غفير، السيطرة وتحارب المجتمعات المحلية ومؤسّساتها، كجزء من عقيدته المعلنة بوجوب ترحيل الفلسطينيين.


عليه، ليس مستغرباً أن يطالب بن غفير بقرار حكومي لتشكيل مليشياً خاصة به، قوامها نحو ألفي مسلح.

بالنسبة إلى بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وحتى نتنياهو، الجيش والشرطة لا يكفيان لقمع كل أشكال المقاومة الفلسطينية، بما فيها اللاعنفية.


ولم يعد كافياً إطلاق المستوطنين لحرق مدنٍ كما حدث في بلدة حوارة. جاء وقت تشكيل مليشيا “مشروعة” ترتكب الجرائم تحت غطاء “القانون”، وتكون أكثر “حرية” وتوحّشاً من الجيش الإسرائيلي، أي دون أي ضوابط، حتى في أقصاها الحدود الدنيا، فمعروفٌ عن بن غفير تأييده الحكومات السابقة، وحتى ضغطه عليها، “بتحرير” الجيش من قواعد الاشتباك المعمول بها.

ويبدو أن التحريض أكسبه شعبية بين الجيش وأفراد الشرطة، فخطابه لا يتضمّن التحريض المباشر، بل كلمات تضامن “طبقي” مع أفراد الجيش والشرطة، باعتبارهم من الفئات “المكافحة”، فحمايتهم من الفلسطينيين واجب.
ولا بد من إجراءات حاسمة ودموية لضمان أمن الجيش والشرطة وعائلاتهم، فالمجتمع الإسرائيلي يتّجه إلى التطرّف بشكل غير مسبوق، وتصوير الفلسطيني صاحب الأرض غريباً يجب اقتلاعه أصبح سهلاً وضرورياً لتحقيق المشروع الصهيوني وإنهاء الهوية الفلسطينية، فلا شرعية أخلاقية أو سياسية كاملة لإسرائيل دون القضاء على الفلسطينيين وأحلامهم ومطالبهم.

الاتجاه إلى أقصى التطرّف لمشروع كولونيالي عنصري متطرّف أصلا شرط لاستمراريته في مواجهة صمود الشعب الفلسطيني، ورفضه التخلي عن حقوقه المشروعة والتاريخية، فمهما بلغ الكيان الصهيوني من قوة، لا تستطيع الترسانة العسكرية الانتصار من دون إجراءات غاية في الوحشية لإخضاع الفلسطيني وتركيعه.

فمع أن إسرائيل يبدو أنها لا تأبه للكاميرات التي تسجّل جرائمها، إلا أنها تخشى كل تحرّك تراه خطراً على شرعيتها، أكان ذهاب الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية، أم الأمم المتحدة أم حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، ولذا تتدخل أميركا دوماً لحمايتها وعرقلة أي قرار قضائي أو أممي، إضافة إلى السعي لتجريم مقاطعة إسرائيل.

ولكن بن غفير وسموتريتش الذي وضع “خطة الحسم”، في عام 2017، وملخصها أن “الأرض لا تتسع لغير اليهود”، وتحدثت عنها صاحبة هذه السطور في مقالها في “العربي الجديد” (26/ 3/ 2023)، لا تشغلهما قضايا تتولاها وزارة الخارجية الإسرائيلية، بل والأميركية، وإنما يدفعان إلى حلٍّ عملي على الأرض، لأننا عندما نعود إلى مطلع تنفيذ المشروع الصهيوني، وإلى عهد عصابتي شتيرن والهاغاناه، فالمجازر التي ارتكبتها تلكما العصابتان كانت الأداة الإجرامية الأهم في إنتاج النكبة الفلسطينية، ومليشيا بن غفير المقترحة امتداد طبيعي للعصابتين، فهما مجموعتان إرهابيتان، لم يقدها أفراد هامشيون، بل هم من أهم مؤسّسي إسرائيل.

وفقاً للصحف الإسرائيلية، من المرجّح أن يكون بدو النقب الذين أبوا مغادرة أراضيهم أول أهداف هذه المليشيا. فهو قد اقترح نقل جزءٍ من حرس الحدود إلى صحراء النقب “لدعم سيطرة الحكومة”، فالمطلوب طرد البدو الفلسطينيين من أراضيهم.


قد يحاول بن غفير أن يجعل من عقابهم عبرة للفلسطينيين، فبدو النقب، خصوصاً أنهم في الأرض التي تسيطر عليها إسرائيل منذ نشأتها، “متمرّدون” يجب قمعهم، ولا نعرف ما يخبئه لهم المجرم بِن غفير بعد تشكيل عصابته المسلحة، لكن كل السيناريوهات واردة، إذا تمت الموافقة على عصابة بن غفير، فإن كل فلسطيني هدفٌ مشروع لها
وحتى لو لم يصدر قرار حكومي بإعطاء شرعية حكومية للمليشيا، فهي موجودة، وهناك تقبل في المجتمع الإسرائيلي للجرائم ضد الفلسطينيين، فهذا المجتمع مشغول بصراع قوى ودفاع عن أسلوب حياة يهدّده نتنياهو، بإحكام قبضته على القضاء.


المظاهرات محاولة للحفاظ الوضع القائم، الذي يريد نتنياهو تغييره، وليس مشغولاً بأسس ديمقراطية وحقوق إنسان ومساواة للجميع، فهو يعتمد على القوة العسكرية في إسكات الفلسطينيين، فالمطلوب ليس نشر الحريات، بل الحفاظ عليها لليهود، وإبقاء الهدوء لحياتهم، لأن الحياة والاستمتاع بملذّاتها، في عرف الإسرائيلي امتياز بحت له، ويتوقع ضمان الجيش والشرطة، وحتى من مليشيا بن غفير منع الفلسطينيين من الإحساس بصفاء أيامهم ولياليهم.


بن غفير، أو “عرّاب التحريض” كما يطلق عليه بعض الصحافيين الإسرائيليين، لن يختفي الآن، وإن، كما يقول الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، ربما بلغ تيار أقصى التطرّف ذروته وأنه في تماديه يحرق نفسه، لكن الفلسطينيين؛ حتى تلك اللحظة، يدفعون الثمن غالياً، فيما يستمر التطبيع العربي وتقاعس سلطة تبيع الوهم، وتتحدّث عن ضمانات أميركية، تتحدّاها إسرائيل بعد كل اجتماع من العقبة إلى شرم الشيخ بمجزرة جديدة وبتعهد بتوسيع الاستيطان.

لا تكفي إدانة بن غفير المجرم المُعلن، فخطّة تطبيع، أو تلكؤ، هو تواطؤ، بل ومشاركة في جرائم بن غفير.

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بقصف اسرائيلي على قطاع غزة

شفا – استشهد وأصيب عشرات المواطنين، الليلة، في غارات شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على أنحاء …