3:01 صباحًا / 5 مايو، 2024
آخر الاخبار

نتنياهو يأخذ وقتا مستقطعا لاحتواء العاصفة ، بقلم : نهاد ابو غوش

نتنياهو يأخذ وقتا مستقطعا لاحتواء العاصفة ، بقلم : نهاد ابو غوش

نتنياهو يأخذ وقتا مستقطعا لاحتواء العاصفة ، بقلم : نهاد ابو غوش

بدت استجابة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدعوات وقف إجراءات تغيير النظام القضائي في إسرائيل، أقرب إلى “الوقت المستقطع” الذي يطلبه مدرب فريق رياضي، لكي يلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب صفوفه أملا في تلافي هزيمة وشيكة ومحتّمة. فقد تضافرت الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة والإضرابات غير المسبوقة التي شلت مرافق الدولة والاقتصاد، مع الضغط العلني الشديد من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على نتنياهو ما اضطره إلى تعليق خطة “الإصلاح القضائي”، وهو الذي كان يصم أذنيه قبل ذلك عن كل الدعوات التي أطلقها معارضو التغييرات على امتداد ثلاثة أشهر، بما في ذلك نداء عاطفي أشبه باستغاثة أطلقه رئيس الدولة اسحق هيرتسوغ بقوله أن خطر الحرب الأهلية بات واقعيا.


كما تجاهل نتنياهو الواثق بقوة ائتلافه اليميني، وبالأغلبية الميكانيكية التي يملكها في الكنيست (64 نائبا من 120) نصائح قادة دول صديقة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وما نقله عدد من مبعوثي الإدارة الأميركية، فضلا عن مواقف قادة المجموعات وقوى الضغط اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة التي مالت إلى معارضة التغييرات.
لكن الأمور خرجت عن السيطرة: فعلى امتداد اثني عشر أسبوعا تدحرجت كرة الثلج وتضخّمت، وكادت تطيح بالحكومة نفسها بعد أن وصلت ارتداداتها إلى صفوف الائتلاف الحكومي، بل إلى حزب الليكود حين دعا عدد من وزراء الحزب ونوابه إلى الحوار وتاجيل البت في التشريعات.


انحناء رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام العاصفة لم يقنع معظم المحتجين، فهو استغل خطابه القصير ليعلن استمرار قناعته بالتغييرات. وما لفت المراقبين والمحللين أنه لم يخاطب المجتمع الإسرائيلي بوصفه رئيسا لوزراء الجميع، بل قرن رسالة التهدئة والدعوة للحوار والتفاهم بمغازلة القاعدة الانتخابية لائتلاف اليمين واليمين المتطرف، التي يغلب عليها اليهود الشرقيون والطبقات الأدنى في المجتمع وسكان “مدن التطوير”، علاوة على نسبة مهمة من المستوطنين، وقد خاطبهم بالقول “انتم لستم ولن تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية”، ويمكن تفسير ذلك ببساطة بأن نتنياهو تراجع مؤقتا في انتظار لحظة أكثر ملاءمة للانقضاض على خصومه وإجراء التغييرات، علما بأنه أنجز عددا من التغييرات المهمة ومن بينها القانون الخاص بتحصين رئيس الوزراء ومنع محاكمته.


يعكس خطاب بنيامين نتنياهو وسياساته بشكل عام، في نظر كثير من المراقبين والمحللين النسخة الإسرائيلية لليمين الشعبوي الذي يجاهر بمعاداته للنخب الثقافية والأكاديمية والقيم الليبرالية للطبقة الوسطى، ويعارض كذلك استقلال القضاء والهوامش المتاحة لحرية التعبير. ومع أنه من أصول غربية ( أبوه بنتسيون ميلوكوفسكي، بولندي من مواليد وارسو) وعلماني النشأة والثقافة وليس معروفا عنه التدين على الإطلاق سوى في مراعاة المظاهر الشكلية، إلا أنه يكثر من الحديث عن روح الأمة اليهودية وجوهرها الخالد المتمايز عن غيرها من الشعوب والأمم، وهو المبادر إلى سن قانون أساس القومية الذي يعتبر تقرير المصير حقا حصريا للشعب اليهودي.

وليس صدفة أن نتنياهو يتمتع بعلاقات وثيقة جدا مع زعماء وقادة اليمين الشعبوي في العالم على شاكلة الرئيس الأميركي السابق ترامب، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والهندي ناريندرا مودي. ومع أن اليمين الشعبوي، مثله مثل تلاوين اليمين الفاشي والنازيين الجدد، يعتمد في العادة على الطبقات الشعبية الدنيا محرضا إياها على “الآخر” القومي أو الديني أو العرقي، فهو من أشد أنصار الخصخصة وتصفية القطاع العام، وحرية التجارة من دون قيود، وذلك ما يسير عليه نتنياهو خلال ولاياته الست في رئاسة الحكومة.


لكن شهوة نتنياهو للسلطة وسعيه المحموم للتملص من المحاكمة والسجن بأي ثمن في ضوء اتهامات الفساد الجدية الموجهة له، دفعته إلى التحالف مع قوى اليمين الديني واليمين الصهيوني الديني، إلى درجة الارتهان لهذه القوى الأكثر تطرفا، حتى أن قدرته على المناورة تقلصت خلال أزمة التغييرات التشريعية الأخيرة في ضوء تهديدات بعض أعضاء حزبه وحلفائه بالاستقالة حال قبوله بوقف خطة الإصلاح القضائي، فاضطر في نهاية المطاف مكرها إلى استرضاء حليفه إيتامار بن جفير والموافقة على مطلبه بتشكيل الحرس الوطني تحت قيادته، في خطوة تعني شرعنة التشكيلات الميليشيوية القائمة حاليا في المستوطنات، والمعروفة باعتداءاتها المتكررة على القرى الفلسطينية، بما في ذلك محرقة حوارة الأخيرة.


نتنياهو المعروف بدهائه وخبرته الواسعة في السياسة وأحابيلها، ارتكب غلطة الشاطر حين قام يوم 26/3/2023 بإقصاء وزير دفاعه الجنرال يوآف جالانت، وهو ليكودي لا يقل يمينية ولا حماسة للتغييرات القضائية، لكنه اضطر لنقل مخاوف القيادات العسكرية، وقلقها على مستقبل إسرائيل وأمنها، في ضوء اعتراضات رئيس الأركان وقادة أجهزة الأمن والأسلحة الرئيسية، إلى جانب رؤساء الأركان السابقين وجنود وضباط الاحتياط، وبخاصة الطيارين، وضباط الوحدة الاستخبارية 8200، وعدد من الجنود النظاميين.


إقالة جالانت منحت المحتجين دفعة معنوية ومادية وثقة هائلة بالنفس، فارتفع عددهم لأكثر من نصف مليون متظاهر بعد هذه الخطوة التي اعتبرت صفعة للجيش الذي يعد أهم مؤسسة في دولة إسرائيل ويلعب أدورا سياسية وتربوية واقتصادية (شركات الصناعة العسكرية) في غاية الأهمية، كما يرتبط باتفاقيات ومعاهدات مع دول كبرى وجيوشها وبخاصة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، ويشكل الجيش المعهد الأبرز لتخريج قادة إسرائيل من وزراء ونواب وحتى رؤساء البلديات ومدراء الشركات الكبرى.


ومع أن ثمة دوافع شخصية وحزبية تقف وراء خطة الإصلاح القضائي، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة في إسرائيل كشفت عن جملة من التناقضات المحتدمة داخل المجتمع الإسرائيلي، خلافا للتناقض الرئيسي القائم بين الفلسطينيين العرب والمشروع الصهيوني، أبرز هذه التناقضات هو بين اليهود الغربيين (الأشكناز) والشرقيين (السفاراديم والمزراحيم) والذي يعبر عن نفسه في الثقافة والفنون والعادات والتقاليد واللغة واللهجات والملامح الجسمانية وبعض الطقوس الدينية، وكذلك التناقض بين العلمانيين والمتدينين (الحريديم) حيث أن لكل فريق أحياؤه السكنية ومستوطناته المنفصلة ومدارسه ونظام حياته الاجتماعية وتعريفه لمعنى اليهودية، إلى جانب التناقضات الطبقية والاجتماعية، والتمايزات التي ظهرت في السنوات الأخيرة بين المستوطنين وسكان مدن الساحل حيث يتبنى المستوطنون مواقف متطرفة تجاه الفلسطينيين ويدفعون دولتهم إلى مزيد من التطرف.

أما التناقضات بين اليمين واليسار، أو أنصار السلام ومؤيدي استمرار الاحتلال، فقد تراجعت بشكل ملحوظ مع استقرار حكم اليمين والانزياح المستمر لكل المجتمع الإسرائيلي وأحزابه نحو اليمين واليمين المتطرف.

وجدير بالذكر أن مؤسسي دولة إسرائيل وأبرزهم دافيد بن غوريون طرحوا مشروعا يسمى “بوتقة الصهر” لتقليص الفروق بين الجماعات الإثنية المختلفة، وخلق شخصية “الإسرائيلي الجديد”، لكن هذا المشروع مُني بفشل ذريع بسبب عنصريته وتبنيه للثقافة ونمط الحياة الغربي على حساب تقاليد اليهود الشرقيين وثقافتهم.


كل هذه التناقضات برزت خلال الاحتجاجات الأخيرة من خلال مواقف واصطفافات مُكوّنات المجتمع الإسرائيلي، وهي تناقضات عميقة وراسخة تعكس نفسها في عديد مجالات الحياة ومن ضمنها الانتماءات السياسية والحزبية وأنماط التصويت، وقد سبق لعدد من قادة إسرائيل ومفكريها أن حذروا في وقت مبكر، أي قبل سنوات، من أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد إسرائيل يأتي من داخلها، ومن هؤلاء رئيس الوزراء السابق إيهود باراك الذي حذر من انهيار إسرائيل في أيار 2022 عبر مقاله المعروف ب”لعنة العقد الثامن”.


يبدو الموضوع الفلسطيني غائبا عن هذه المعادلة، مع حرص قادة الاحتجاجات على إظهارها “يهودية خالصة”، وحرص فلسطينيي الداخل على ألا يكونوا في جيب طرف ما على حساب حقوقهم وهويتهم، لكن الرابط بين الأزمة الداخلية الإسرائيلية والقضية الفلسطينية كامن حتما في جوهر التناقضات، فمن يستهين بحياة الآخر القومي وحقوقه وإنسانيته لا يمكن له أن يكون متسامحا مع المختلفين معه في الرأي من أبناء جلدته، وفي المقابل فإن مشكلة الفلسطينيين الجوهرية تكمن في صعوبة استفادتهم من هذه الأزمة في ضوء وضعهم الداخلي المنقسم والمأزوم والمهلهل.

شاهد أيضاً

نقابة الصحفيين تستنكر اعتداء قوات الاحتلال على الصحفيين في دير الغصون بطولكرم

نقابة الصحفيين تستنكر اعتداء قوات الاحتلال على الصحفيين في دير الغصون بطولكرم

شفا – استنكرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، السبت، الاعتداءات الواسعة والخطيرة التي ارتكبتها قوات جيش الاحتلال …