8:12 صباحًا / 24 أبريل، 2024
آخر الاخبار

الهلاك القادم من الأسفل ، بقلم : ماجد ع محمد

الهلاك القادم من الأسفل ، بقلم : ماجد ع محمد

عزرائيل أو قابض الأرواح في الأدبيات الإسلامية هو (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي الموكل من قِبل الله بقبض الأرواح، وفي معاني عزرائيل ومهامه جاء في الويكيبيديا أن اسم عزرائيل يعني حرفياً “الذي يساعد الله” عند اليهود، والذي يأتي بمعني عبد الله أو عبد الرحمن عند المسلمين؛ وإذا كان صحيحاً أن الزلازل بلاء من عند الله وفق تصور طائفة لا بأس بها من المتدينين في بلادنا، وذلك بناءً على ما نُسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “والله ما كثرت ذنوب أمةٍ إلاَّ عاقبها الله بالزلازل وبالريح وبالأمطار التي تُغرقهم” فهذا يعني بأن علينا عدم التذمر والانزعاج من الزلزال أو عزرائيل ووظيفته المرعبة، طالما أنه يقوم بدور المساعدة وينفِّذ مشيئة خالق السموات والأرض، ولكننا لا ندري أيّة إرادة ربانية هذه وفق تصور تلك الطائفة في الوقت الذي قد بلغ فيه عدد ضحايا الكارثة إلى تاريخ يوم السبت 18/2/2023 في تركيا 40.642 قتيلاً، وفي الشمال السوري بلغ عدد الضحايا وفق الدفاع المدني 2274 شخصاً وإصابة 12400 آخرين، بينما في مناطق سيطرة النظام السوري بلغ عدد الوفيات 1414 شخصاً وإصابة 2357 آخرين.


أما بخصوص تصوراتنا الشعبية المتعلقة بمن يُنهي دورة حياة الناس ومَن الذي يتولى مهمة فصل الأرواح عن أجساد أصحابها، فتشير أغلبها إلى أن عزرائيل يأتي من جهة السماء، ويهبط من الأعلى إلينا ليأخذ أرواحنا وينطلق بها نحو الفضاء، تاركاً الأبدان للأهل والأقارب والمعارف ليتصرفوا بالجسد وفق الشرع أو العرف بدون اكسير أو لغز الحياة ومشغلها الرئسي في الإنسان، إلاَّ أن الذي جعل صورة قابض الأرواح تهتز في مخيلتنا وتبدو أقل رهبةً وسلطانا هو الهلاك القادم من طبقات الأرض الدنيا، حيث غدت صورة عزرائيل في حضرة الزلزال أقل رعباً مما كان يُشكله طوال القرون الماضية، بل وغدا المنقضُّ على الأنفس بغرض رفعها نحو السماء فرادى بكل هدوء وبدون إلحاق أي ضرر بالمكان وأهله محط ترحاب، إذ أن ما يجعل الناس تحن لزمن عزرائيل مقارنة بالهلاك القادم من القاع هو ليس حباً بالموت على السرير، إنما لأن الهالك الجديد لا يكتفي بإنهاء حياة المرء لوحده، إنما ينوي القضاء على العائلة برمتها وربما شمل عنفوانه كل الأقارب والمعارف وجميع أهل الحي، ولا يشبع من اللعب بمصير فردٍ واحدٍ أو مجموعة صغيرة، إنما يطيب له التصرف بحيوات عشرات الآلاف من الناس في كامل غفلتهم، ويعمل على تدمير كل شيء وليس الشخص بمفرده، إنما تراه عازماً على إنهاء دورة حياة قوافل بشرية بأكملها مع كل ما يرتبط بهم من منتجات وموارد وكل ما يدل عليهم من مقتنيات وذكريات كانت في الموت العادي تدل على أصحابها وتؤكد للأحياء بأنهم كانوا هنا، وعاشوا معنا، وتركوا كل هذه الأشياء الثمينة لنا، بينما في حالة الهلاك القادم من الأسفل فالعدمُ يبني مجده على أنقاض الوجود.
وليس من السهولة بمكان إحصاء الآثار النفسية الذي تركه الزلزال لدى كل من كان قريباً من مركزه أو مقيماً في إحدى نقاط التماس معه، وفي الجانب الشخصي فبالرغم من بُعدي عن مركز ثقل الزلزال عشرات الكيلومترات إلاَّ أنه ترك بصمته الواضحة عليّ كما هو الحال لدى الآلاف ممن هم عِداد الأحياء مثلي، حيث بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 من شهر شباط 2023 توقفتُ عن الصيام المتقطع الذي كنتُ قد بدأت به منذ منتصف العام الماضي، وتوقفتُ عن تناول خبز الشعير الذي دأبتُ على تناوله عوضاً عن الخبز الأبيض، وتوقفت عن ممارسة الرياضة، وتوقفت حتى عن شراء الكتب الورقية طالما أننا رغم كل العناية الصحية بالبدن ورغم كل العناية بالأشياء الشخصية لنا سنصبح مع كامل أشيائنا هباء خلال ثوانٍ معدودات، وبأننا إن حلت الكارثة سنموت مع كل أشيائنا بكامل الصحة حسب قول أحد المشاهير.


وتعبيراً عن صعوبة تفسير ما تركه الحدث المدمر على النفوس فكلما قابلتُ ناجياً ورأيتُه عاجزاً عن وصف هول الزلزال وتأثيره أتذكر ما قاله أنتوني دو مِلو في قصة “الدرويش المتوجع” حيث يقول فيها: “كان أحد الدراويش جالساً بسلام قرب النهر، حين رأى عابرُ سبيل قذاله المكشوف واستسلم لإغرائه فصفعه صفعة مدوية، ولقد امتلأ عجباً من صوت كفه على الرقبة المكتنزة، لكن الدرويش المتوجع هبّ واقفاً ليرد له الصفعة.
رويدك قال المعتدي: تستطيع صفعي إن شئت، إنما أجبني أولاً على هذا السؤال: هل كان صوت الصفعة ناجماً عن يدي أم عن قذالك؟
قال الدرويش: أجب عن ذلك أنت.
إن وجعي لن يسمح لي بالتنظير، بوسعك أن تهتم بذلك لأنك لا تحس بما أحس”.


وصدق دو مِلو حيال صعوبة التعبير لدى المصفوع هناك أو المفجوع ههنا لدى الذي توقع خلال لحظات بأن ما يحصل هو القيامة بعينها، بكونه غير قادر على شرح ما جرى، لأن رهبة الهلاكِ لا تسمح للمُصاب بالهلعِ بأن يُقدم تقريراً نظرياً أو رؤية تحليلية عما أصابه أوان الفاجعة الكبرى التي عاش لحظات وقوعها، باعتبار أن الكارثة ورهبتها لا تعطيانه المجال أو الفرصة ليشرح بهدوء وموضوعية ودقة ما ألم به، إذ بخصوص الزلزال فقد يقدم البعيد عن موقعه الجغرافي أو الذي لم يتأثر به البتة رؤية نظرية كاملة وشاملة عنه، أما من عاش بالقرب من موقع الحدث فلا تطلبوا منه تفسيراً عما جرى له أو حدث أمام نواظره، لأن حاله أعظم مئات المرات من حالة المصفوع لدى دو مِلو، فألم فقدان الأهل والأقارب والمعارف ورؤيته لمعالم الحياة وهي تتلاشى أمامه وتتحول خلال هنيهات إلى أشلاء وركام لا يسمح له بأن يكون بارعاً في وصف ما جرى، إلاّ اللهم إذا ما مرت فترة طويلة على الناجي، حينها فبعد أن يستعيد توازنه النفسي من الممكن أن يقدم الصورة المرعبة للكارثة كما تُقدمها أفلام هوليود.

شاهد أيضاً

الاحتلال يقرر إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام الفلسطينيين

الاحتلال يقرر إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام الفلسطينيين

شفا – قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اغلاق الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، امام الفلسطينيين ومنعهم …