
الفدائي ، حين يعلو اسمُ الوطن بلا رصاصة ، بقلم : د. منى أبو حمدية
في زمنٍ يتكاثر فيه غبار الروايات المتضاربة، ينهض الفدائي ليقدّم شهادة ناصعة على أن فلسطين قادرة على الظهور بوجهٍ آخر؛ وجهٍ لا يحمل آثار الدمار، بل يحمل توقيع الإرادة.
من قلب المستطيل الأخضر، خرج المنتخب الفلسطيني بصورةٍ أسرت الجماهير، وأعادت اسم الوطن إلى الساحة الدولية بلا ضجيج سياسي ولا نزيف دم، بل بروحٍ عالية تشبه روح شعبه: ثابتة، عنيدة، لا تنكسر.
“كرةٌ تتقدّم… ووطنٌ يتنفّس”
أداء الفدائي في كأس العرب لم يكن مباراة عابرة، بل لحظة وطنية مكثّفة. بانتصاره على ليبيا وقطر وتعادله مع تونس وسوريا، أثبت المنتخب أنه بلغ مرحلة الندية الحقيقية، وأن الفلسطيني حين يُمنح مساحة للتعبير، يتحوّل إلى قوة لا تُهزم.
لم يكن الأمر مجرد رياضة؛ كان استعادة لصوت الوطن بطريقة حضارية، تُعلّم العالم أن فلسطين تقاوم بالرياضة، بالثقافة، وبكل ما يعبّر عن حياة لا تزال تنبض.
لقد حمل اللاعبون الوطن كما يُحمل طفلٌ عزيز: بحنان، وبمسؤولية، وبإيمانٍ أن اسم فلسطين أمانة فوق الأكتاف. بعضهم ترك عقوداً مغرية، وبعضهم اشترى معداته من ماله الخاص، لكنهم جميعاً اتفقوا على شيء واحد: “لا شيء أغلى من أن تتعب لأجل فلسطين”.
“هويةٌ تُصاغ بالعشب… لا بالاصطفاف”
ما حقّقه المنتخب لم يكن ليتبلور لولا قرار وطني واضح: أن تبقى الرياضة بعيدة عن كل التجاذبات السياسية والشخصية، وأن تكون مظلةً جامعة لا تُقصي أحداً.
وبالرغم من محاولات البعض تضخيم أحداثٍ هامشية واستغلالها.
بقي الفدائي نقياً كما عرفه الناس، بعيداً عن المهاترات، قريباً من جوهر الانتماء الحقيقي.
فالرياضة هنا ليست منافسة فقط؛ إنّها امتداد لروح الشعب، ومسرحٌ يكشف معدن الإنسان الفلسطيني حين يُمنح فرصة للركض نحو أحلامه.
إنها إضافة جديدة لطرق النضال المتعددة، لا بديلاً عنها، ودليلٌ على أن الوطن يكبر بجميع أبنائه، بكل مساراتهم الصادقة.
في الختام؛ ليس مطلوباً أن نقارن بين أشكال النضال، ولا أن نرفع مساراً على آخر. فكل جهدٍ يخرج من قلبٍ مخلص—مهما كان شكله—يكتب اسم فلسطين بحبرٍ جديد.
هذا المنتخب، بعرقه وانضباطه وهدوئه، أعاد لفلسطين حضوراً ناعماً لكنه صلب، متقداً لكنه متزن.
لقد قال للعالم: نحن هنا… نركض، ونقاوم، ونحلم.
وهكذا، يمضي الفدائي في طريقه، يحمل الوطن على كتفيه، ويثبت أن العشب الأخضر يمكن أن يتحوّل—حين يمرّ فوقه لاعبٌ فلسطيني—إلى ساحة نضال من نوع آخر…
نضالٍ يعلو فيه اسم الوطن بلا رصاصة.
- – د. منى أبو حمدية – أكاديمية وباحثة
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .