
سليم النفّار… آخرُ القصيدة الأولى ، بقلم: د. منى أبو حمدية
يحمل هذا العنوان معنى يتجاوز الوداع ويقترب من فكرة البقاء.
فالقصيدة الأولى هي رحلة الحياة التي عاشها الشاعر سليم النفّار، بكل أماكنها ووجعها وأحلامها وضحكاتها.
أمّا “آخرها”، فليس نهاية بقدر ما هو فاصلة صامتة تُعلن انتقاله من حياة الجسد إلى حياة الذاكرة. وكأن رحيل سليم النفّار لم يُطفئ قصيدته، بل أنهى فصلًا ليبدأ آخر: فصلاً يكتبه من أحبّوه، ويحفظه كل من مرّ بكلماته.
“سليم النفّار ” لم يغادر، لقد أكمل فقط قصيدته الأولى، وترك ما تبقّى من الشعر حيّاً في القلوب.
“الشاعر الذي بقي صوته حيّاً تحت الركام”
في الذكرى الثانية لغياب الشاعر سليم النفّار، يبدو الفقد أكثر حضورا من الغياب نفسه. فالرجل الذي كان يملأ الأمسيات دفئاً، ويمنح اللغة شيئاً من ملامحه، ما يزال حيّاً بيننا على هيئة صوتٍ لا ينطفئ، وظلٍّ يرافق الذاكرة أينما ذهَبَتْ.
كان سليم النفّار، الشاعر الفلسطيني الذي حمل دفاتره بين سورية ولبنان وغزة، يبحث دائماً عن وطنٍ أوسع من الجغرافيا، وأصدق من الخرائط. عاد إلى غزة عام 1994، لكنّه لم يتوقّف يوماً عن السفر في اللغة، ولا عن الانتماء للناس، ولا عن كتابة ما يليق بوجعهم وأملهم.
“اللقاء الأخير… حين كانت الأمكنة ما تزال تتنفس”
قبل الحرب بأقل من شهر، التقينا في معرض فلسطين الدولي للكتاب في رام الله. ما زال حضوره عالقاً في تفاصيل المكان: في خطواته الهادئة، في ضحكته التي كانت تخفّف عن الجميع، وفي تلك الطاولة التي تحوّلت بفعل وجوده إلى مساحة شعر وطمأنينة.
لا أنسى تلك الأمسيات الثقافية التي جمعتنا به…
ولا تلك اللحظات التي كان فيها الحديث عن الكتب يبدو أوسع من الكتب نفسها…
ولا الأماكن التي ازدادت الحياة فيها لأن أبا مصطفى مرّ بها.
من كان يعلم أنّ ذلك اللقاء سيكون آخر موعد بين الضوء وظلّه؟
“سليم النفّار… بين الشهادة وبقاء النداء”
رحل سليم النفّار شهيداً، وبقي اسمه تحت الركام كصفحة لم تُطوَ. لم يكن خبر رحيله حدثاً عابراً، بل ارتجاجاً عميقاً في ذاكرة الأدب الفلسطيني، ارتجاجاً في قلوب كل من عرفوه أو سمعوا قصائده أو اقتربوا من إنسانيته الكبيرة.
ومع ذلك، فإن الشاعر لا يرحل.
يعود في الجملة التي تركها معلّقة.
وفي القصيدة التي أبقاها نافذةً مفتوحة على ما هو أبعد من الألم.
يعود في الضحكة التي لا يزال صداها يمرّ بين المقاعد الفارغة في الأمسيات الثقافية.
لقد صار سليم النفّار جزءاً من لغة فلسطين، من وجدانها، ومن سرديتها التي لا تنتهي.
“ما بعد الرحيل”
في الذكرى الثانية لرحيله، لا نكتب مرثية، بل نكتب وفاءً.
فالذاكرة ليست نهاية، بل امتدادٌ لحضورهم.
وحفظ آثارهم ليس بكاءً، بل اعتراف بأنهم أوسع من الغياب.
اليوم، نعيد اسمه إلى الضوء…
نستعيد ضحكته التي كانت تُشبه استراحة قصيرة من تعب الطريق…
ونحاول أن نقول له إن القصيدة التي تركها، لم تغلق صفحتها الأخيرة.
إلى روحك يا أبا مصطفى…
إلى الشاعر الذي أحبَّ الناس وأحبّوه…
إلى الذي ترك أثراً من نور، وذكرى لا تُنسى…
إلى جنان الخلد بإذن الله.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
- – د. منى أبو حمدية – أكاديمية وباحثة
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .