11:01 مساءً / 5 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

رغم العوائق والتحديات ، نساءُ فلسطين يتصدرن المشهد الثقافي في نابلس ، بقلم: د. منى أبو حمدية

رغم العوائق والتحديات ، نساءُ فلسطين يتصدرن المشهد الثقافي في نابلس ،

رغم العوائق والتحديات ، نساءُ فلسطين يتصدرن المشهد الثقافي في نابلس ، بقلم: د. منى أبو حمدية

من بين كل التحوّلات التي شهدتها فلسطين، تبقى المرأة المثقفة هي المعادل السرّي لنهضة الوعي وحراسة الهوية. فهي ليست مجرّد قارئة تعبر النصوص، بل شاهدةٌ تصوغ روايتها الخاصة في وجه الريح، وتحوّل المعرفة إلى مقاومة هادئة لا تُرى إلا في ثباتها. المرأة الفلسطينية المثقفة تحمل كتابها كما يحمل الفلاح بذرته؛ تزرع الفكرة في أرضٍ مُثقلة بالتاريخ، وترويها بصبرٍ يشبه صبر الأمهات على شرفات الانتظار، حتى تُزهر كلمةٌ تُقاوم النسيان. وفي كل مدينة، من جنين ونابلس إلى القدس والخليل وغزة، تعلو بصوتها لتعيد للثقافة مكانتها، وللوطن روحه، وللأجيال المقبلة الطريق الذي لا يضلّ حين تمسك به امرأة تؤمن بأن الوعي هو أوّل أبواب الحرية.

لم تكن ندوة نابلس الأخيرة—أكبر تظاهرة ثقافية شهدتها المدينة هذا العام—مجرّد فعالية ثقافية، بل لحظة عالية الشبه بفلسطين نفسها؛ لحظة تُثبت فيها المرأة أنها قادرة على تحويل الفكرة إلى حدث، والحدث إلى أثر، والأثر إلى مستقبل يصمد رغم كل ما يعترض طريقه.

وبرعاية منتدى ريشة نسائية من الداخل المحتل ونادي الأسير الفلسطيني – نابلس، امتلأت قاعة مسرح مركز الطفل الثقافي التابع لبلدية نابلس بالمثقفات، والكاتبات، والناشطات، وأمهات الأسرى والشهداء، إلى جانب حضور واسع من طلبة الجامعات. وقد أدارت الندوة الأستاذة سمية بني عودة، لتبدأ الأمسية بقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء والوقوف احترامًا للنشيد الوطني.

ومن الداخل المحتل… كان هنالك كلمة تشقّ المسافات؛ حيث افتتحت الدكتورة المحامية سيما الصيرفي فعاليات الندوة بكلمة حملت تقديراً للأدب ودوره في مواجهة التهميش، مؤكدة أن فوز رواية «تنهيدة حرّيّة» للروائية د. رولا غانم بجائزة كتارا 2025، ليس مجرد إنجاز أدبي، بل انتصار للمرأة الفلسطينية التي تتمسك بصوتها رغم القيود، وتشق طريقها رغم كل ما يعترضها.

وقدمت الدكتورة منى أبو حمدية قراءة نقدية معمقة استندت إلى بحث أكاديمي، حيث نسجت بين المعرفة والتحليل لتضيء زوايا لم يلتفت إليها الكثيرون في الرواية. لم تكن القراءة مجرد تحليل أكاديمي، بل رحلة فكرية وجمالية ربطت بين النص وواقع الأسرى والمجتمع، بين الألم والأمل، بين الكلمة والمقاومة. لقد قدمت الدكتورة أبو حمدية رؤية واضحة ومشرقة، أظهرت عمق الرواية، وأبرزت الأسير المثقف بوصفه محوراً للوعي والمقاومة، وكأنها أضاءت شمعة في الظلام، لتعيد للقراء روح النص، وتؤكد أن الأدب الفلسطيني هو سلاح وصوت وصمود. إن هذه القراءة لم تضف فقط بعداً جديداً لفهم الرواية، بل جعلت كل من حضر يلمس عبقرية الجمع بين النقد الأكاديمي والحس الإنساني العميق.

وتحدثت الدكتورة رولا غانم—وهي أم لأسير—عن تجربتها مع الكتابة في ظل الظروف القاسية، وعن كيف استطاعت أن تجعل من الرواية مساحة للوطن، وأفقاً للمرأة، وامتدادا لنداء الأسرى الذين لا تغيب رسائلهم مهما طال العتم.

وقدمت ممثلة نادي الأسير الفلسطيني، الأستاذة إيناس أبو مسلم، عرضاً واقعياً حول معاناة الأسرى وتفاصيل حياتهم اليومية، مؤكدة أهمية إبقاء هذا الملف حاضراً في الثقافة والوعي العام.

شهدت الأمسية حضورا نوعياً لافتاً:


مثقفات، أكاديميات ، أمهات أسرى وشهداء، وفودا من الداخل المحتل، إلى جانب نخبة من المجتمع المحلي وممثلات عن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في نابلس، الذي برز دوره في دعم الحراك الثقافي وإسناد حضور النساء الكاتبات والباحثات في المشهد الثقافي للمدينة. وبرغم العوائق والتحديات، أثبتت نساء فلسطين أنهن لا يغادرن الصف الأول، ولا يتركن مساحة الثقافة بلا روحٍ أنثوية تقودها، وأن الكلمة حين تمرّ عبر قلب امرأة فلسطينية، تخرج أكثر قدرة على الحياة وأكثر استعدادًا للمقاومة.

وفي ختام هذا المشهد الثقافي المشرق، بقي صوت نابلس واضحاً: إن النساء الفلسطينيات، بسعيهن وإصرارهن وشجاعتهن الثقافية، لا يقلن إنهن جزء من المشهد… بل إنهن صانعاته. إنهن يفتحن للوعي أبوابه، وللمستقبل احتمالاته، وللقضية امتدادها الأخلاقي والإنساني.

فمن رحم التحديات تولد الريادة، ومن عزيمة النساء تُكتب صفحات فلسطين الأكثر إشراقًا. إن حضور المرأة المثقفة لا يقتصر على المشاركة، بل يشكّل نبضاً يحيي الحياة الثقافية في كل مدينة، ويربط بين التاريخ والحاضر والمستقبل، ويمنح الجيل الجديد مثالًا حيًا على القدرة على التغيير والإبداع والصمود.

وبفضل جهود المثقفات والكاتبات، وبحضور مؤسسات مثل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في نابلس، أصبح المشهد الثقافي أكثر إشراقاً وحيوية، موكدا أن الكلمة الفلسطينية التي تنبع من قلب امرأة، تحمل القدرة على بناء الوعي، وإشعال الحلم، وتحريك المجتمعات نحو الحرية والعدالة.

  • – د. منى أبو حمدية – أكاديمية وباحثة

شاهد أيضاً

د. مجدلاني يرحب بالبيان المشترك الصيني – الفرنسي لدعم القضية الفلسطينية

د. مجدلاني يرحب بالبيان المشترك الصيني – الفرنسي لدعم القضية الفلسطينية

شفا – رحب الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، …