2:05 مساءً / 25 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

في وداع المربي والأديب والناقد د. بطرس دلة ، بقلم : محمد علوش

في وداع المربي والأديب والناقد د. بطرس دلة ، بقلم : محمد علوش

رحل د. بطرس دلة.. رحل الجسد وبقي الحضور، وغاب الصوت وظل صداه ينساب في الذاكرة كنسيم قرية تعرف أبناءها واحداً واحداً، وتشهد لهم بطيب السيرة وسموّ المقصد، وكيف لا، وهو ابن كفرياسيف البار، المربي الذي علّم أجيالاً معنى أن يكون العلم موقفاً، وأن تكون الكلمة أمانة.


عرفت د. بطرس دلة أول ما عرفته ناقداً صاحب بصيرة؛ يقرأ النص كأنما يفتح باباً نحو روح قائله، وما زلت أذكر فيض الامتنان الذي غمرني حين كتب عن مجموعتي الشعرية الأولى “سترون في الطريق خطاي” في جريدة “الاتحاد الحيفاوية”، قبل أن يعيد نشر مقالته في أحد كتبه، ولم يكن يكتب مجاملة أو مداراة، بل كان يبحث عن الجوهر، عن تلك الشرارة التي تجعل الشعر حياةً أخرى، وقد كان شرفاً كبيراً لي أن يضيء تجربتي الأولى بقلمه الرصين.


ولسنوات تواصلنا عبر الهاتف؛ صوتان يتبادلان المحبة ويحتفيان بالكلمة وهموم الثقافة، ثم شاءت الأقدار أن يجمعنا اللقاء أخيراً قبل أربع سنوات في طولكرم، يوم زار الأصدقاء من اتحاد الكتّاب الفلسطينيين في الداخل المدينة، حيث نظمنا حينها نشاطات ثقافية تعبق بالفرح والمعرفة، وكان حضوره دافئاً، يشي بهدوء الحكماء ومرح الذين يعرفون قيمة السفر إلى الناس وقيمة الإصغاء إليهم.


كان د. بطرس دلة معلماً للتاريخ لأكثر من خمسة وأربعين عاماً، لا يروي الأحداث فحسب، بل يعلّم طلابه أن يسألوا ويتفكروا، وأن ينظروا إلى الماضي بوصفه طريقاً إلى المستقبل، خرجت من بين يديه أجيال حملت بصمته التربوية، وأيقنت أنّ المعرفة ليست خلاصاً فردياً، بل رسالة إنسانية، وبالإضافة إلى دوره التربوي العميق، كان قامة أدبية كبيرة وعضواً فاعلاً في الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيين، فقد أثرى المكتبة العربية بأكثر من عشرين مؤلَّفاً تنوّعت بين النقد والشعر والمقالة، وبقي طوال عمره سنداً للكتّاب، يشجعهم، ويكتب عن أعمالهم، ويمنحهم من ثقته ما يجعلهم يواصلون الطريق، وكان حضوره الاجتماعي لا يقل أهمية عن دوره الثقافي؛ إذ أسهم في تأسيس وإدارة جمعيات ثقافية وأهلية، وترك أثراً لا يمحى


لقد عرفه كل من التقى به محبّاً للأرض والناس، لطيف المعشر، واسع القلب، ثابتاً في قناعاته، مخلصاً للكلمة ولأهلها، وحين يرحل أمثال د. بطرس دلة، نشعر أن المشهد الثقافي يخسر ركناً من أركانه، وأن الإنسان يخسر أحد الذين يجعلون هذا العالم أكثر لطفاً وضياءً.

لروحه الرحمة والسلام، ولعائلته العمر الطويل وحسن العزاء، أمّا الذكرى، فستظل خالدة، خالدة كما تخلَّد القامات التي علّمت أن العطاء لا ينتهي، وأن الكلمات الصادقة لا تموت.

شاهد أيضاً

مدير المركز الروسي للعلوم والثقافة في فلسطين تيموفي بوكوف يزرو مدينة أريحا

مدير المركز الروسي للعلوم والثقافة في فلسطين تيموفي بوكوف يزرو مدينة أريحا

شفا – زار مدير المركز الروسي للعلوم والثقافة في فلسطين – البيت الروسي ، تيموفي …