
غاب الجسد وبقيت الراية ، وداعًا نذير السلخي “أبا جهاد” ، بقلم : د. عمر السلخي
مناضلٌ صاغته التجارب القاسية
برحيل المناضل نذير فاروق السلخي (أبو جهاد)، تنطفئ اليوم شعلة من شُعل الصمود التي أنارت دروبًا طويلة في مسيرة النضال الفلسطيني، لم يكن أبو جهاد رجلًا عاديًا، بل كان حاضرًا حيث يجب أن يكون الرجال؛ في الميدان، في المواجهة، وفي خدمة أبناء شعبه، خصوصًا عائلات الأسرى الذين شكّل لهم سندًا وصوتًا وبيتًا مفتوحًا لا يغلق بابه.
من المطاردة إلى الأسر… رجلٌ لا يتراجع
ما يقارب الخمس سنوات من المطاردة عاشها نذير السلخي، متنقلًا بين السهول والجبال، مؤمنًا بأن الحرية ثمنها الإرادة، وأن الوطن لا يمنح شرفه إلا لمن يستحقونه ، لم ينكسر رغم شراسة الملاحقة، ولم يتردد رغم قسوة الطريق.
وحين دخل الأسر، حمل معه كبرياء المناضل، وخرج بعد خمس سنوات من الاسر كما يخرج الكبار: ثابتًا، صلبًا، وفيًا للعهد الذي نذر له حياته.
من روّاد العمل التنظيمي في محافظة سلفيت
لم يكن أبو جهاد مجرد مناضلٍ ميداني، بل كان ركنًا أساسيًا في بناء الحركة التنظيمية لحركة فتح في محافظة سلفيت، يُعد من مؤسسي العمل التنظيمي في المحافظة، ومن الرجال الذين حملوا عبء التأسيس في أصعب المراحل.
كان من أعضاء اللجنة اللوائية عندما كانت تشمل سلفيت وقلقيلية معًا، وشكّل مع رفاقه نواة أول بنية تنظيمية متماسكة في المنطقة ،كما كان عضوًا في الإقليم الأول لحركة فتح في سلفيت، ثم تولّى مسؤولية مدير مكتب الإقليم، حيث أسهم في ترتيب الصفوف، وتوحيد الجهود، ورفع مستوى الانضباط والمسؤولية التنظيمية.
ترك بصمة لا تُمحى في وجدان الكادر الفتحاوي، وظلّ نموذجًا للالتزام، والعطاء، والعمل بصمت بعيدًا عن الأضواء.
الأسير المحرر ومدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين
بعد تحرره من الأسر، واصل أبو جهاد مسيرته من بوابة جديدة، حيث عمل مديرًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين في محافظة سلفيت، حمل رسالة الأسرى كما يحمل الأب أبناءه؛ يدافع عن حقوقهم، ويقف إلى جانب عائلاتهم، ويُحوّل وجعهم إلى قوة وصمود.
عرف الألم، فخفّف آلام الآخرين،
وعرف السجن، فكان لسانًا حرًا للأسرى خارج القيد.
سنواتٌ من الوجع… وصبرُ الرجال
لم تكن معركة نذير الأخيرة أقل شراسة من معاركه الأولى ، فقبل أكثر من أربع سنوات، باغته المرض الخبيث، فخاض معه مواجهة طويلة بصبرٍ يليق بالمناضلين ، كان يدخل جلسات العلاج بوجهٍ ثابت، وابتسامةٍ تُخفي وجعه، وإيمانٍ بأن الروح لا تُهزم ما دام القلب معلّقًا بالله والوطن، لم يشتكِ يومًا، وظلّ على الدوام يطمئن الآخرين رغم أن جسده كان يُعاني بصمت. وفي كل جلسة علاج، كان يحمل معه إرثه النضالي؛ يرفع رأسه، ويهمس: “هذه معركة… وسأمضي فيها كما مضيت في غيرها.”
رحل نذير بعد ملحمة صبر دامت سنين، ليترك درسًا جديدًا في قوة الإرادة، ويُضيف إلى سيرته صفحةً كتبتها الدموع والفخر معًا.
مشهد يليق برجلٍ من رجال فتح… جنازة تليق بتاريخه
لم يكن وداع أبو جهاد عاديًا؛ فقد شهدت بلدة الزاوية ومحافظة سلفيت توافدًا واسعًا لأبناء حركة فتح وكوادرها من مختلف البلدات والمواقع التنظيمية، الذين حضروا ليجددوا العهد لرفيقٍ كان جزءًا من ذاكرة الحركة وتاريخها.
وسارت الجموع في جنازة مهيبة تقدمتها قيادات وكوادر العمل الوطني، في مشهدٍ يؤكد أن الرجال يُعرفون عند الوداع كما يُعرفون عند المواقف.
كما حضرت المؤسسات الرسمية والأمنية في وداع يليق بتاريخه.
وفي بيت الأجر اجتمعت الأجيال الفتحاوية، رفاق الدرب، وأهالي المنطقة، في موقف يعكس مكانة الرجل في قلوب الناس.
وخلال مراسم التشييع، ألقى جمال الديك، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، كلمة حملت معاني الوفاء لمسيرة الراحل، وقدمت وزارة شؤون الأسرى والمحررين كلمتها، مؤكدة أن رحيله خسارة وطنية لا تتكرر.
كما ألقت بلدية الزاوية كلمة عزاء عبّرت فيها عن تقديرها لتاريخ الرجل وخدمته لأهله وبلدته.
واختُتمت الكلمات بكلمة مؤثرة ألقاها المناضل بلال عزريل، رفيق الدرب، استعاد فيها مواقف من مسيرة الراحل وإرثه الذي سيظل حاضرًا في الذاكرة.
رحيل يوجع… وراية لا تسقط
اليوم يغيب الجسد، لكن الراية تبقى؛ فالرجال أمثال نذير السلخي لا ينتهي حضورهم بالرحيل، بل يبدأ شكل جديد من البقاء… البقاء في الذاكرة، وفي الضمير، وفي الطريق الذي عبّدوه بصبرهم ونضالهم.
وداعًا نذير… لكن الطريق يشهد أنك مررت من هنا
نم قرير العين يا أبا جهاد،
فقد أديت الرسالة كاملة، ورفعت الراية عالية، ورحلت كما يرحل الكبار… مكلّلًا بالثبات، مطوّقًا بالوفاء.
غاب الجسد… وبقيت الراية.
إنا لله وإنا إليه راجعون.







شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .