4:17 مساءً / 24 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

شتاءٌ قارسٌ ، فيروساتٌ تهاجمُ المناعةَ التعليمية! بقلم : المعلمة الباحثة : أ. عائشة مشهور صنوبر

شتاءٌ قارسٌ ، فيروساتٌ تهاجمُ المناعةَ التعليمية!

شتاءٌ قارسٌ… فيروساتٌ تهاجمُ المناعةَ التعليمية! بقلم : المعلمة الباحثة : أ. عائشة مشهور صنوبر


يَحُلُّ علينا شتاءٌ قاسٍ وقارصٌ لم يعد يقتصر تأثيره على برودة الطقس وندرة الموارد، بل تجاوز ذلك ليصبح حالةً وجوديةً تعصفُ بكيانِنا المجتمعي. ففي جغرافية الوجع الفلسطيني، حيث تتوالى الضربات الناجمة عن الوضع السياسي والاجتماعي المعقد، لم يكن التعليم يوماً مجرد منبرٍ للمعرفة. لقد تحول إلى خندقِ البقاء الأخير وبوصلةِ الكرامة التي تشير إلى المستقبل. إننا نرى في هذا الشتاء القاسي، ظروفاً قاهرةً هي أشبه بمخلوقاتٍ مجهريةٍ، ضاريةٍ، لا تستهدف الأجساد وحسب، بل تعتدي على الكيان التعليمي ذاته لتهشّم مناعته وتُضعف صموده. ولذا، فإن تقوية المناعة التعليمية لأبنائنا لم تعد خياراً ترفيهياً، بل هي خيارُ الصمود الأحدَب وواجبنا الوحيد لعبور هذا الزمهرير إن ما تعصف به الظروف القاهرة، الناجمة عن الوضع السياسي والاجتماعي المعقد والضغط المستمر، ليس مجرد تحديات عابرة، بل هو فيروسٌ مُعدٍ يتغلغل بعمق في بنية المجتمع التعليمية. إنه هجومٌ متواصلٌ وشامل يستهدف عصب الأمة، ويمكن تشخيص أعراضه بعدة محاور محاور رئيسية تضرب المناعة التعليمية:


استنزاف الكوادر البشرية (فقدان الأجسام المضادة): إن تعرض الكوادر التعليمية لخسائر بشرية فادحة، بالإضافة إلى استنزافها بالضغوط النفسية والمهنية الناتجة عن الاضطراب المستمر، يعني فقدانَ الأجسام المضادة الرئيسية التي تضمن استمرارية وتجويد التعلم. هذا الاستنزاف يخلق فجوة عميقة في الخبرات والقيادة يصعب ردمها في ظل هذه الظروف.


. الإجهاد الاقتصادي والاجتماعي (إضعاف الدعم الحيوي): تؤدي الأزمات المالية المتكررة والناتجة عن الوضع السياسي غير المستقر إلى تأخير الرواتب وتعريض المعلم لضغوط معيشية حادة. هذا الإجهاد يضعف “الدعم الحيوي” للعملية التعليمية، ويهدد استقرار المعلم المهني، مما ينعكس سلباً على جودة الأداء التعليمي. بالإضافة إلى ذلك، يواجه أكثر من مليون طفل تحديات نفسية هائلة وصدمات متتالية نتيجة الوضع العام. هذا الانهيار النفسي يضرب المناعة الفطرية للتعلم في صميمها، ويشلّ قدرة الطفل على التركيز والإبداع. إن هذه الفيروسات القهرية تسعى، بخبث، إلى جعل المناعة التعليمية هزيلة وواهنة، مما يهدد جيلاً كاملاً بالتخلف والوهن المعرفي.


تقوية الجهاز المناعي: تضافرٌ هو جوهر البقاء


مقاومة هذا التآكل، لا بد من استنفار جهاز المناعة التعليمية الفلسطيني، الذي يتشكل من طبقتين متكاملتين:

  1. المناعة الفطرية (زيت الإرادة): تنبع هذه المناعة من الإيمان العميق بأن القلم أشد مضاءً من السيف. إنها زيتُ الإرادة الذي يشتعل في قلب كل طالب، مدركاً أن التعليم هو فعلُ المقاومة المدني الأسمى، وجوازُ عبوره الوحيد نحو الحرية وإثبات الذات في فضاء عالمي.
  2. المناعة المكتسبة (حصنُ التكافل):هذه المناعة لا تُبنى إلا بـ شراكة مُقدسة بين قطبي المجتمع: الأهالي والمعلمين. لا يمكن للتعليم أن ينجو وهو معزول؛ يجب أن يكون مشروعاً وطنياً تكافلياً:


دور المعلم: هو إعادة تشكيل التعليم ليكون مرناً كالصفصاف، قادراً على الاستمرار حتى تحت الركام. لقد تحول المعلمون، في فترات الانقطاع، إلى منتجي محتوى، مقدمين آلاف الدروس الرقمية كـ دفاع لوجستي ضد الانهيار.


دور الأهالي: يتمثل في المساندة الفعالة والمباشرة للمعلمين والمؤسسة التعليمية، وتحويل المنزل إلى خندق صمود تعليمي. هذا الدور يقوم على المتابعة الدقيقة والمستمرة للأبناء، وتوفير البيئة الهادئة المحصّنة التي لا تسمح لليأس بالتسلل، لضمان أن يكون الجهد التعليمي للمدرسة مستداماً بدعمٍ من البيت.


في الختام، تبقى الحقيقة ساطعة: إن التعليم في فلسطين هو إعلان استمرار، وصكُ مقاومةٍ يُكتب كل يوم. لا خيار لنا سوى الاستثمار في المناعة التعليمية لأبنائنا. هذا الحصن، متى تم تشييده بتضافر الأهل والمعلمين، سيبقى الرهان الأقوى على تحقيق الصمود، والعبور بالجيل إلى شاطئ النصر المعرفي والحضاري في عز هذا الشتاء القارس.ورغم قسوة هذا الزمهرير، فإننا نرفع النظر نحو موسمٍ قادمٍ من شتاءٍ يمتلئُ بالخير والرخاء المعرفي، مؤمنين بأنّ قوة إرادتنا التعليمية هي البذرة التي ستثمر أملاً وغداً مشرقاً.

    شاهد أيضاً

    وزارة الثقافة الفلسطينية

    وزارة ​الثقافة تستنكر اقتحام سلطات الاحتلال مسرح الحكواتي في القدس

    شفا – أدانت وزارة الثقافة الفلسطينية بأشد العبارات قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام مسرح الحكواتي …