10:32 مساءً / 23 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

التعليم تحت الأنقاض : شمس المعرفة في غزة بوجه الموت ، بقلم : نسيم قبها

التعليم تحت الأنقاض : شمس المعرفة في غزة بوجه الموت ، بقلم : نسيم قبها

هكذا افتتحت ندوة تعلمية ( أصوات تربوية) في الإئتلاف التربوي الفلسطيني ، والتي لم تكن مجرد ندوة على مسالك الفعل العابر ينفذها الإئتلاف الماكر ، وما سمعنا فيها من زفرات ذات معنى ، هي ليست أصوات الحياة العادية التي اعتدناها، كما أنها بالتأكيد ليست أجراس مدارس تدعو إلى صفوف مكللة بالورود. إنها أصوات آتية من تحت الثرى، من عمق الجحيم، من قلوب امتحنت فصاغت من ألمها منجما للمعنى. إنها أصوات تخرق صمت الموت، وتنقض على اليأس نقض النسر، لتعلن للوجود أن “هنا”.. تحت أنقاض غزة /فلسطين، تولد إرادة لا تقهر.

هذه الأصوات التي رفعها الائتلاف التربوي الفلسطيني لم تكن تسجيلا للحضور، أو مناقشة مسألة رياضية على ضوء هاتف ذكي، أو رسمة لحلم على ورقة نجت من القصف، ليست مجرد “عملية تعليمية”. إنها، في حقيقتها الفلسفية، فعل “تمرد وجودي”. إنها إجابة على سؤال القيمة والعبث الذي يطرحه الدمار الشامل. حين تقرر أن تتعلم بينما العالم من حولك ينهار، فأنت لا تطلب معلومات فحسب، بل تصدر بيانا فلسفيا فاصلا: “أنا موجود، إذن أنا أتعلم. وأنا أتعلم، إذن أنا حر”.

التعليم هنا يتحول من كونه وسيلة للتحصيل، إلى كونه “فعل تحرر” بامتياز. إنه مقاومة العدم بالمعنى. فحين تحاصر الجسد بجدران الخوف والحديد، يتحول العقل إلى فضاء لا تسكنه القذائف. هذه “الإرادة إلى الحياة” التي تتجسد في حفنة طلاب ومعلمين، هي النقيض الجذري لـ “إرادة الموت” التي تمثلها آلات التدمير التي تقودها الغربان. إنها تشبه ذلك الزهر الذي ينبت من شقوق الإسمنت، ليس لأنه أقوى من الإسمنت، بل لأن “حب الحياة” هو قانون أقدس من قانون الفيزياء.

إنهم، من تحت الركام، يمارسون “الحرية الجوهرية”. تلك الحرية التي لا يستطيع أحد انتزاعها، لأنها ليست هبة من نظام أو سلطة، بل هي اختيار الذات في أن تظل وفية لجوهر إنسانيتها. إنهم يختارون أن يكونوا “رعاة معنى” في صحراء العبث. يرفضون أن يكونوا مجرد ضحايا، فيتحولون إلى شهداء وفاعلين. بكلمتهم، وبعلمهم، وبصبرهم الأسطوري، يعيدون تعريف القوة؛ فالقوة الحقيقية ليست في قدرتك على تدمير العالم، بل في قدرتك على أن تخلق عالما من الرماد.

هذه الأصوات هي “النداء”. نداء يهز ضمير الإنسانية النائم. إنه يسأل كل منا: ماذا فعلت بـ “حريتك” الواسعة؟ وكيف استخدمت “أمانك” المهدَر؟ إنهم، في ظروفهم القاسية، يذكروننا بأن التعليم ليس ترفا، بل هو “تنفس” للروح، وهو “احتجاج” دائم على كل ما يعطل طاقة الحياة في الإنسان.

لذلك، ليست مسألة تعليم أطفال وشباب ورجال غزة مجرد قضية إنسانية نتعاطف معها. إنها قضية فلسفية كبرى. إنها اختبار لروح الحياة ذاتها. كل قطعة قلم يمسكونها، وكل كلمة يقرؤونها، هي إعلان عن انتصار “الكينونة” على “العدم”، و”المستقبل” على “الخراب”.

في النهاية، يوصل الائتلاف التربوي الفلسطيني رسالته في الفضيلة بأن هؤلاء الذين يخرجون من تحت الركام، لا يطلبون منا الشفقة. بل يقدمون لنا، من قلب الجحيم، أعظم درس في الكرامة والإصرار. إنهم يذكروننا بأن أعظم تحرر يبدأ من الداخل، من ذلك الحصن المنيع الذي يدعى “العقل والإرادة”. فإذا كانوا هم يصنعون النور من عتمة الأنقاض، فماذا عسانا، نحن أصحاب السقوف الواقية والنوافذ المشرعة، أن نصنع بحرياتنا؟ إن أصواتهم ليست صرخة للمساعدة، بل هي شعلة تضيء الطريق للبشرية جمعاء، طريق المقاومة بالحياة، وبالعلم، وبالإيمان اللامتناهي بأن النور أقوى من كل ظلام.

نسيم قبها / الإئتلاف التربوي الفلسطيني

شاهد أيضاً

رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الاستاذة أمل فرج تزور وزارة النقل والمواصلات

رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الاستاذة أمل فرج تزور وزارة النقل والمواصلات

شفا – في إطار تعزيز التعاون المشترك، اجرت رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية معالي الاستاذة …