
بروقين… استراحة القوافل وذاكرة الحضارات ، بقلم : د. عمر السلخي
تقع بلدة بروقين إلى الغرب من مدينة سلفيت، وتمتاز بموقعها الجبلي الفريد وتاريخها العريق، إذ كانت محطة استراحة للقوافل التجارية على مر العصور، ما زالت مواقعها الأثرية وعيون الماء القديمة شاهدة على حياة السكان وتاريخ المكان الممتد منذ العصور القديمة.
التسمية… استراحة القمح والتجارة
يرتبط اسم البلدة بروقين بفكرة استراحة القوافل التجارية، إذ يتكون الاسم من مقطعين:
⦁ بر: تعني القمح
⦁ قين: كلمة كانت تستخدم لإجبار الجمال على الجلوس والاستراحة
وبالتالي، يشير الاسم إلى استراحة التجار الذين يحملون القمح على جمالهم، تُكتب الكلمة أحيانًا بدون ألف في البداية.
الموقع والحدود
تقع بروقين على بعد 7.9 كم هوائي غرب مدينة سلفيت، وترتفع عن سطح البحر 372 مترًا. تحدها:
شمالًا: أراضي حارس وسرطة، شرقًا: أراضي مدينة سلفيت وقرى فرخة وقراوة بني زيد، جنوبًا: أراضي كفر عين ودير غسانة، غربًا: أراضي كفر الديك، هذا الموقع الجبلي المنخفض نسبيًا منح البلدة أهمية استراتيجية على طرق التجارة القديمة، كما وفر بيئة ملائمة للزراعة والمياه الجوفية.
المعالم التاريخية والأثرية
أ. الخرب المحيطة بالقرية
تحيط ببروقين خمسة خرب رئيسية ما زالت آثارها بارزة، تعكس مراحل متعددة من الحضارات الفلسطينية:
⦁ خربة جلال الدين
تقع على بعد 2 كم شرق البلدة على قمة جبل يرتفع 455 مترًا، وتبلغ مساحتها 3 دونمات. يُعرف الموقع أيضًا بأسماء خربة المطوي ودار أبو سلمي. يحيط بالموقع سور مبني من حجارة كبيرة ومتوسطة، وتوجد بقايا بناء مستطيل الشكل على شكل مسجد مع محراب ومدخل على شكل قوس، إضافة إلى وحدات سكنية وأزقة ضيقة.
⦁ خربة قرقش (مدينة الشمس والقمر)
تقع على بعد 1 كم شمال شرق البلدة وتبلغ مساحتها حوالي 8 دونمات، وتنقسم إلى المباني السكنية والجزء السفلي المخصص للمقابر الرومانية والبرك والمعاصر. يعود تاريخها إلى العصور الحديدي والهلنستي والروماني والبيزنطي والأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني المبكر. القبور الرومانية المنحوتة بالصخر، خصوصًا القبر الرئيسي المزخرف بالشمس والقمر، تمنح الخربة اسمها المحلي.
⦁ خربة الفخاخير (دار حمد)
تقع شمال البلدة، وسميت نسبة لكثرة الأواني الفخارية فيها، كما اكتشفت فيها كنيسة رومانية على يد دائرة الآثار الإسرائيلية عام 1996، مع آبار لتجمع المياه.
⦁ خربة الشقفان (دار عبد الله)
تقع جنوب شرق البلدة، معظم أراضيها تعود لعائلة دار عبد الله، ومعظم آثارها مغطاة بأشجار الزيتون وتعود للعصر الروماني.
⦁ خربة الرأس
تقع على بعد 1 كم شرق البلدة، ولم يتبق منها سوى ركام البيوت المهدمة.
ب. الينابيع
اعتمد السكان قديمًا على عدة ينابيع مهمة:
⦁ عين البرونية: تبعد 500 م شرق البلدة، مياهها قوية ولا تجف صيفًا، وقد تم توسعتها حديثًا.
⦁ عين العين: تقع 500 م جنوب البرونية، جفت الآن وأصبحت عبارة عن ركام.
⦁ عين الناطف: تقع على بعد 1 كم شرق البلدة، مياهها صالحة للأغراض العلاجية والزراعية، ولا تزال تعمل حتى اليوم.
⦁ عين مسيطة: تقع 2 كم جنوب البلدة بين بروقين ودير غسانة، مياهها مستمرة ولا تجف صيفًا.
بروقين… جسر بين الحضارات
تتميز بروقين بكونها ملتقى للحضارات عبر التاريخ، إذ تعكس آثارها المتنوعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية لسكان المنطقة منذ العصور القديمة وحتى العهد العثماني، الخرب والينابيع والمقابر والزراعة التقليدية تشكل ذاكرة حيّة لتاريخ البلدة، وتُبرز أهمية المحافظة على التراث الشعبي والمعماري.
أثر الاستيطان على بروقين… الضغوط على الأرض والذاكرة
تعاني بلدة بروقين من آثار الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية، التي أفرزت تغيرات واضحة على الأرض والمجتمع المحلي، فقد جرى مصادرة أجزاء واسعة من أراضي البلدة لصالح المستوطنات المحيطة، أبرزها أراضي ارئيل الصناعية وبركان وبروخين، مما أدى إلى تقلص المساحات الزراعية التي اعتمد عليها السكان تاريخيًا، خصوصًا أراضي الزيتون والقمح التي كانت تمثل المصدر الرئيس للرزق.
كما أدى التوسع الاستيطاني إلى تقطيع الوحدات السكنية والأراضي الزراعية، وخلق “جيوب” محصورة بين الطرق الالتفافية والمستوطنات، الأمر الذي أعاق الوصول إلى المزارع وقلّص من قدرة الأهالي على ممارسة الزراعة بشكل منتظم، هذه الإجراءات أثرت أيضًا على الموروث الثقافي والمعماري، إذ تم تدمير أو تعطيل بعض الخرب الأثرية والآثار التاريخية في محيط البلدة تحت ذرائع البناء أو “الأمن الاستيطاني”.
على المستوى الاجتماعي، ساهم الاستيطان في تهجير بعض العائلات قسرًا نتيجة القيود الأمنية والضغوط الاقتصادية، وتم تهدم العديد من المباني تحت حجه انها تقع في مناطق ج واقتلاع أشجار الزيتون وارتفاع إنذارات وقف البناء واغلاق مداخل القرية الشمالية والغربية.
مع ذلك، لا تزال بروقين محافظة على عمقها التاريخي وارتباطها بالأرض، حيث يقاوم الأهالي هذه الضغوط عبر الاستمرار في الزراعة في المتاح، والمحافظة على الينابيع القديمة، والحفاظ على الخرب التاريخية كجزء من الذاكرة الجماعية للبلدة.


شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .