12:40 مساءً / 17 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

المهزوم ذاتيًا ، هزيمة تبدأ من الداخل وتنتهي عند حدود المجتمع ، بقلم : أ. خليل إبراهيم أبو كامل

المهزوم ذاتيًا ، هزيمة تبدأ من الداخل وتنتهي عند حدود المجتمع

المهزوم ذاتيًا: هزيمة تبدأ من الداخل وتنتهي عند حدود المجتمع ، بقلم : أ. خليل إبراهيم أبو كامل

في المجتمعات التي تتعرض للضغط والقهر المستمر، لا تكون المعركة فقط في الخارج، ولا تكون الهزيمة دائمًا على يد عدو واضح. أحيانًا، وبشكل أكثر خطورة، تنشأ الهزيمة داخل الإنسان نفسه؛ تتشكل في صوته الداخلي، في نظرة ناقصة لذاته، وفي قناعة تتسلل ببطء: “لا جدوى… لن أستطيع… لن يتغيّر شيء.”


هذا الإنسان هو ما نُسميه: المهزوم ذاتيًا.

ملامح المهزوم ذاتيًا: حين يصبح العقل ساحة معركة

المهزوم ذاتيًا ليس شخصًا بلا قدرات، بل هو شخص فقد ثقته في قدراته.


يستيقظ وهو يحمل عبء الخوف من المحاولة، ويذهب للنوم وهو يراجع أخطاء لم يرتكبها بعد.


من أهم ملامحه:

توقّع الفشل قبل أي تجربة.

تهوين الذات وإنكار النجاحات الصغيرة.

تردّد دائم وشعور بأنه “أقل من الآخرين”.

انسحاب من الفرص خوفًا من الخسارة.

تتشكل الهزيمة معه كظل ثقيل، تسير معه حيثما ذهب، وتُعيد تعريف إمكاناته كل يوم.

كيف يُصنع الإنسان المهزوم ذاتيًا؟

لا يولد الإنسان مهزومًا. الهزيمة الذاتية هي نتاج تراكمات اجتماعية ونفسية، منها:

بيئة تربوية قاسية تعتمد على النقد والسخرية بدل التشجيع.

تجارب فشل مؤلمة غير مرافقة بفهم أو دعم.

ضغط اجتماعي يقارن الشخص بغيره بشكل مستمر.

ظروف سياسية خانقة تُغذي الشعور بالعجز الجمعي.

غياب القدوة ونماذج النجاح القريبة.

وبذلك يصبح الشخص أسيرًا لسردية لم يكتبها بيده، لكنه يقرأها كل يوم ويصدقها كل مرة.

الهزيمة الداخلية أخطر من الهزيمة الخارجية

المهزوم ذاتيًا ليس مجرد فرد يعاني، بل هو عنصر في نسيج مجتمعه.
هزيمته تتسلل إلى بيته، علاقاته، أبنائه، وطريقة نظرته للحياة.


تتحول الهزيمة إلى:

ثقافة تربوية قائمة على الخوف.

عزوف عن التطوع والمبادرة والمشاركة المجتمعية.

انكفاء على الذات بدلاً من الفعل.

ضعف في بناء الأمل، وفي نقل روح المقاومة والصمود.

وفي السياق الفلسطيني بشكل خاص، حيث الاحتلال يضغط على الوعي كما يضغط على الأرض، يصبح تحرير الإنسان من هزيمته الداخلية شرطًا لبقاء روح الصمود.

أثر الهزيمة الذاتية على الأجيال

الإنسان المهزوم ذاتيًا غالبًا يورّث أبناءه تلك الهزيمة دون قصد، من خلال رسائل مثل:

“إياك تحاول، مش راح تنجح.”

“هاي البلد ما فيها مستقبل.”

“الناس أحسن منا.”

فتكبر الأجيال محمّلة بإحساس ناقص، وتُمسك الحياة بخوف بدلًا من الشغف.
وهكذا يصبح الفرد المهزوم ذاتيًا نقطة بداية لنظام تثبيط اجتماعي كامل.

كيف نكسر دائرة الهزيمة؟

كسر الهزيمة الذاتية ليس رفاهية نفسية، بل ضرورة اجتماعية ووطنية.


تبدأ عملية التحرر من:

إعادة بناء الحوار الداخلي عبر استبدال صوت الإحباط بصوت واقعي يعترف بالقدرات.

النجاحات الصغيرة المتراكمة التي تعيد تشكيل صورة الإنسان عن نفسه.

الانخراط في العمل المجتمعي الذي يمنح الشخص شعورًا بالقيمة والتأثير.

طلب الدعم النفسي عند الحاجة دون خجل أو وصمة.

تحرير التربية من ثقافة الخوف ورفع وعي الأسر بخطورة رسائل الهزيمة.

تعزيز السردية المقاومة التي تقوم على الأمل لا على الاستسلام.

كل خطوة صغيرة في اتجاه التحرر من الهزيمة الذاتية هي خطوة في اتجاه بناء مجتمع قادر على الصمود والتغيير.

في النهاية، الهزيمة ليست صفة ثابتة، بل حالة يمكن تغييرها.


والمهزوم ذاتيًا ليس شخصًا منتهيًا، بل إنسان بحاجة إلى أن يكتشف نفسه من جديد.


حين ينتصر الإنسان على صوته الداخلي المهزوم، يصبح قادرًا على مواجهة أعتى أشكال الظلم الخارجي.
وحين يتحرر الفرد، يتحرر المجتمع.


فالهزيمة لا تأتي من الخارج إلا إذا وجدتها مقيمة في الداخل.

شاهد أيضاً

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

شفا – إحياءً للذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار”، وتحت عنوان …