
كفل حارس ، بلدة المقامات والذاكرة الروحية الضاربة في التاريخ ، بقلم: د. عمر السلخي
تُعدّ بلدة كفل حارس إحدى أبرز بلدات شمال محافظة سلفيت من حيث الثقل التاريخي والديني، فهي تجمع بين الإرث الكنعاني العريق والمقامات الدينية التي جعلتها مقصدًا للزائرين عبر القرون، وفي الوقت الذي تتعرض فيه أراضيها لاعتداءات الاحتلال والاستيطان، ما زالت البلدة تحتفظ بعمقها الحضاري وروحها الأصيلة.
التسمية… من “تمنة حارس” إلى “كفل حارس”
ترجع تسمية البلدة إلى النبي ذي الكفل الذي يُقال إنه مدفون فيها، وكانت البلدة تُعرف قديمًا باسم تمنة حارس، وهو اسم كنعاني يعني نصيب من الشمس، ومع الزمن استُبدلت كلمة “تمنة” بكلمة “كفل”، كما حدث في العديد من القرى والبلدات الفلسطينية التي تبدأ بكلمة “كفل”، هذا التبدل اللغوي يعكس تطورًا تاريخيًا وثقافيًا طويلًا، احتفظت خلاله البلدة بهويتها الدينية وارتباطها العميق بالموروث الروحي.
الموقع والحدود… بلدة تتوسط قلب التاريخ
تقع كفل حارس شمال مدينة سلفيت وعلى بُعد 4.57 كم هوائي عنها، وترتفع 512 مترًا عن سطح البحر،وتتصل حدودها بعدد من البلدات والقرى، ما يمنحها موقعًا حيويًا في شبكة الريف السلفيتي:شرقًا: قيرة ومردا،جنوبًا: مدينة سلفيت، شمالًا: زيتا جماعين، غربًا: حارس وديراستيا، هذا الموقع جعلها تاريخيًا منطقة تواصل بين شمال الضفة ووسطها، ومركزًا للطرق القديمة وللحركة التجارية والزراعية.
المعالم الأثرية… أرض الأنبياء والمقامات
أ. المقامات الدينية
تزداد أهمية االبلدة بوجود المقامات الدينية التاريخية، اذ تضم أربع مقامات: مقام النبي يوشع بن نون عليه السلام، مقام النبي نون، ومقام بنات الزاوية “بنات النبي” يعقوب عليه السلام، ومقام ذي الكفل. ووجود هذه المقامات جعلها مزاراً دينياً مهماً، اذ تؤمها الوفود بأعداد كبيرة لزيارتها. وتتوزع هذه المقامات في شمالي وجنوبي وغربي المنطقة القديمة، كما يعتقد بوجود العديد من المباني الأثرية القديمة تحت البيوت القديمة الموجودة حيث أظهرت المسوحات الأثرية وبعض الحفريات التي أجريت في البلدة لغرض البناء وجود دلائل استيطان بشري تبدأ من العصر البرونزي الوسيط والعصر الحديدي الثاني حتى الفترة العثمانية.
مقام النبي ذي الكفل: يقع على مسافة 150م جنوب شرقي القرية. وهو عبارة عن غرفة فيها ضريح كبير. وذكر المقام في الأنس الجليل أن ذا الكفل كان يقيم في الشام وقبره في قرية كفل حارس من أعمال نابلس.
وقال أهل التاريخ ان ذو الكفل هو ابن أيوب ونسبه هو نسب أيوب واسمه في الأصل بشر وقد بعثه الله بعد أيوب إلى أهل دمشق وما حولها وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفى بها. اجتبی الله تعالی ذا الكفل من آلاف الأنبیاء علیهم السلام أجمعین في زمرة الذين ذکر الله أسماءهم في القرآن الكریم في سورة الأنبياء، الآية 85 قال تعالى “وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ”، وفي سورة ص، الآية 48قال تعالى “وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ.
مقام قبر يوشع: يقع على بعد 100م شمال القرية بالقرب من المدرسة القديمة. يتألف المبنى من ساحة مكشوفة وغرفة مرممة بالإسمنت. ولا يوجد بالغرفة ضريح. ويروي السكان المحليين أن رفات يوشع موجودة في مغارة تقع في أسفلها. ويوشع بن نون أحد أنبياء بني إسرائيل وهو فتى سيدنا موسى والنبي الذي أُوحي إليه بعد سيدنا موسى عليه السلام ومعجزته حبس الشمس له.
مقام قبر ذي النون: يقع على بعد 100م جنوب غرب القرية. وهو عبارة عن ضريح كبير مكشوف تقع إلى الشرق منه غرفة خصصت للعبادة. وذو النون هو سيدنا يونس عليه السلام وهو النبي الرابع عشر بعد سيدنا شعيب عليه السلام.
وقد ذكرت قصته في القرآن الكريم في سورتي الأنبياء والصافات. تعددت الروايات حول مكان قبره، فبعض الروايات تفيد بأنه دفن في شمال العراق في مدينة الموصل. والرواية المرجحة تفيد بأنه مدفون في فلسطين في حلحول الخليل وله قبر يعرف بقبر يونس ويذكره السامريون بأن “ذا النون” هو قبر “نون” والد يوشع.
بنات الزاوية: هكذا يسميها اهل القرية او بنات سيدنا يعقوب عليه السلام كما ورد في الروايات التاريخية وهذا مزار شبه مهدم يقع شمال غربي قبر النبي ذي النون، وهذا المزار عبارة عن قبر قديم جداً.
ب. شجرة السدرة… ذاكرة المكان
هي من المعالم المعروفة في كفل حارس يقع الى جانبها البريد وبلدية كفل حارس والنادي الرياضي وتبعد مسافة مئة متر تقريبا الى الغرب من مقام يوشع بن نون، وكانت تشكل ديوان صيفي نهاري لابناء القرية، فمن محيطها كانت تنطلق زفة العريس والسحجة الشعبية، وكان القندرجي ينصب عدته تحتها في الخمسينات والستينات وكذلك مبيضي النحاس والطناجر واصحاب الالعاب الشعبية ومن يمتازون بخفة اليد.
وتحت السدرة التأمت الجاهات وحدث اصلاح ذات البين وجرت مفاوضات وتمت زيجات واستقبل اهالي القرية وفودا وفي محيطها ربط الفرسان الاتراك والبريطانيون خيولهم لتستريح واستراح في ظلها الثوار والمجاهدون.
يبلغ محيط جذعها من الاسفل ما يزيد عن 4 م وقد تفرعت في كل الاتجاهات لتغطي مساحة تقترب من اربعمائة متر مربع.
وتعرضت في الستينات الى اهمال وفقدت وظيفتها الاجتماعية، ولكن تم ترميم المكان وتنظيفه، ويقدر الاهالي عمرها بالفي عام تقريبا، وحسب تحليل لعينة من غصن الشجرة قامت به جامعة النجاح الوطنية عام 2004 يقدر عمرها ب 1150 سنة.
أثر الاستيطان على كفل حارس
رغم المكانة الدينية والروحية العميقة للبلدة، فإنها تُعدّ واحدة من أكثر بلدات محافظة سلفيت استهدافًا من قبل الاحتلال، نظرًا لوجود المقامات الدينية وما يرافقه من أطماع إسرائيلية للسيطرة على الرموز التاريخية وإعادة تفسيرها بما يخدم الرواية الصهيونية.
السيطرة على المقامات وتحويلها إلى “مزارات توراتية”
⦁ اقتحامات الاحتلال للمقامات، خصوصًا مقام يوشع بن نون ومقام ذي الكفل.
⦁ إغلاق الطرق ومنع حركة السكان أثناء زيارات المستوطنين.
⦁ محاولات فرض رواية توراتية على المقامات، لتغيير هويتها الدينية.
مصادرة الأراضي ومنع التوسع العمراني
معظم أراضي البلدة مصنفة ضمن المنطقة (ج)، ما يجعل تراخيص البناء شبه مستحيلة، وتم مصادرة آلاف الدونمات لصالح المستوطنات القريبة، بما يحد من توسّع البلدة الطبيعي.
تهديد الزراعة والإنتاج المحلي
⦁ منع المزارعين من الوصول لأراضيهم القريبة من الطرق الالتفافية.
⦁ اعتداء المستوطنين على أشجار الزيتون واللوزيات.
⦁ التلوث الناتج عن المستوطنات وأثره على التربة والمياه.
الأثر الاجتماعي والنفسي
⦁ اقتحامات ليلية متكررة أدت إلى خوف دائم بين الأطفال.
⦁ تعطيل الحياة اليومية والمدارس والأسواق.
⦁ شعور دائم بأن البلدة مستهدفة في هويتها ووجودها.
معركة على الذاكرة وصمود الأهالي
رغم كل الضغوط، يحافظ الأهالي على الهوية الدينية للمقامات ويستمرون في نقل الروايات الشفوية، لتبقى كفل حارس جبهة دفاع روحي وثقافي بوجه محاولات التهويد والاستيطان.
كفل حارس… بلدة تحرس التاريخ وتحمي الذاكرة
تمثل كفل حارس نموذجًا حيًا للبلدة الفلسطينية التي تختزن إرث الأنبياء والمقدسات والقصص الشعبية، وتُجسد ذاكرة المكان وعمقه الروحي والإنساني، رغم الضغوط السياسية والاستيطانية التي تهدد وجودها.


شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .