2:15 مساءً / 10 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

قرية حارس ، الحارسة على التاريخ ، بقلم : د. عمر السلخي

قرية حارس ، الحارسة على التاريخ

قرية حارس.. الحارسة على التاريخ ، بقلم : د. عمر السلخي


تتربع قرية حارس على تلةٍ شامخة شمال غرب مدينة سلفيت، على ارتفاع يبلغ 486 مترًا فوق سطح البحر، كأنها حارسة على الذاكرة والتراث، ويُقال إن تسميتها جاءت من وجود قلعةٍ قديمة كان يُعيَّن عليها حارس بشكل دوري، فحملت القرية اسمه لتصبح “حارس”، فيما يرى آخرون أن أصل التسمية يعود إلى أسطورةٍ محلية تقول إن القرية «تحرس كنزًا» بين آثار القلعة القديمة في أعلى التل، أو أنها كانت «تحرس» القلعة ذاتها من الغزاة واللصوص عبر العصور.


تقع حارس على بعد 5.11 كم هوائي من مركز مدينة سلفيت، وتحدّها من الشرق بلدة كفل حارس، ومن الجنوب مدينة سلفيت وبلدة بروقين، ومن الغرب قراوة بني حسان وقرية سرطة، ومن الشمال ديراستيا، لتكون نقطة التقاء طبيعية بين مجموعة من القرى التاريخية في قلب الريف الغربي للمحافظة.


مقامات وأضرحة تحكي الإيمان والهوية


تزخر حارس بعدد من المقامات الدينية القديمة التي تعود إلى عصورٍ مختلفة، وتشهد على عمق الإيمان في وجدان أهلها، ففي وسط القرية يقع مقام أبو عبد الله، الذي يحمل اسم رجلٍ صالح عُرف بورعه.


وفي منطقةٍ مرتفعة قرب المقبرة يوجد مقام أبو عثمان، وهو بناء عثماني قديم ما تزال آثاره قائمة حتى اليوم.
أما شرق القرية، فيتربع مقام أبو الفتح، الذي بُني فوقه مسجدٌ حديث سُمّي مسجد أبو الفتح تخليدًا لذكرى صاحبه.
بركٌ حجرية ومسجدٌ روماني قديم


ومن أبرز معالم القرية التاريخية مجموعة من البرك المنحوتة في الصخر، تقع في الجهة الجنوبية الغربية وتُعرف باسم خربة البريج، ويُعتقد أن هذه البرك كانت معاصر للعنب وصناعة الخمور في العصور الرومانية والبيزنطية، قبل أن تُهجر وتستولي عليها سلطات الاحتلال لاحقًا ضمن توسعة مستوطنة بركان المقامة على أراضي القرية.
وفي قلب البلدة القديمة يقف مسجد أبو بكر الصديق شامخًا، وهو من أقدم المساجد في محافظة سلفيت.


يقع المسجد في حارة أبو رومي الرومانية، ويُعتقد أنه كان كنيسةً رومانية قديمة قبل أن يتحول إلى مسجدٍ بعد الفتح الإسلامي، ويتميز المسجد ببنائه الضخم ذي الجدران الحجرية التي يزيد سمكها عن متر، وبأعمدته المزخرفة من حجر المرمر، إضافةً إلى تسعة عقودٍ متقاطعة وساحة أمامية تتوسطها شجرة سدر معمّرة، في مشهدٍ يختصر تواصل الأديان والحضارات على أرض فلسطين.


حارس اليوم.. بين الذاكرة والبقاء


تُعد قرية حارس اليوم واحدة من القرى الفلسطينية الأكثر استهدافًا بالاستيطان في محافظة سلفيت، حيث تمتد على أطرافها مستوطنة “بركان” الصناعية، وتُحاصرها الطرق الالتفافية التي عزلت أراضيها الزراعية، وأثّرت على نمط حياة سكانها، ورغم كل محاولات الطمس والمصادرة، ما تزال حارس حارسةً على التاريخ والهوية، تقف شامخةً بحجارتها القديمة ومساجدها ومقاماتها، شاهدةً على حضارةٍ لا تزول، وشعبٍ لا ينكسر.


أثر الاستيطان على بلدة حارس


تُعد بلدة حارس إحدى البلدات الفلسطينية الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من محافظة سلفيت، والتي تتعرض منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي لاعتداءات استيطانية متواصلة أثّرت بعمق في نسيجها الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي، فقد فقدت البلدة مساحات واسعة من أراضيها الزراعية الخصبة لصالح إقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وفي مقدمتها مستوطنة رفافا (تأسست عام 1991)، ومستوطنة بركان الصناعية التي تمتد على أراضي حارس وسلفيت، إضافة إلى توسع مستوطنة كريات نتافيم ويكيرغرب البلدة.


هذه المستوطنات لم تقتصر على مصادرة الأراضي، بل فرضت واقعًا استعماريًا جديدًا من خلال عزل البلدة عن محيطها الزراعي، والتحكم في حركة السكان عبر شبكة طرق استيطانية تخدم المستوطنين فقط، أبرزها الطريق الالتفافي رقم (5) الذي يقسم أراضي البلدة ويمنع الوصول الحر إلى مساحات شاسعة منها.


أدى هذا الواقع إلى تراجع النشاط الزراعي الذي كان يشكل مصدر الدخل الرئيس للأهالي، وارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن تآكل المشهد الريفي الفلسطيني التقليدي نتيجة التمدد العمراني للمستوطنات وتلوث البيئة الناتج عن المصانع المقامة في المنطقة الصناعية الاستيطانية، كما أسهمت اعتداءات المستوطنين اليومية على المزارعين واقتلاع أشجار الزيتون وتخريب الممتلكات في تعميق الشعور بالتهديد وعدم الأمان بين السكان.


من الناحية الاجتماعية، تسببت الممارسات الاستيطانية في إعادة تشكيل العلاقات المكانية داخل البلدة، حيث انحسر التوسع العمراني في اتجاهات محدودة، وتراجعت معدلات البناء الجديدة بفعل القيود المفروضة من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تمنع منح التراخيص في معظم أراضي المنطقة (ج).


إنّ أثر الاستيطان في حارس لا يقتصر على البعد الجغرافي فحسب، بل يمتد ليشكل أداة استعمارية لتفكيك الاستقرار المجتمعي عبر تقويض سبل العيش، وإضعاف البنية الاقتصادية، وإنتاج حالة من العزلة القسرية التي تمس جوهر الوجود الفلسطيني في المكان.

شاهد أيضاً

النضال الشعبي في جنين تدعو لخطة عمل وطنية لمعالجة الوضع الاقتصادي وللنازحين من مخيم جنين

النضال الشعبي في جنين تدعو لخطة عمل وطنية لمعالجة الوضع الاقتصادي وللنازحين من مخيم جنين

خلال اجتماع موسع لكادرها ناقش اخر المستجدات التنظيمية والنقابية واستحقاق الانتخابات المحلية شفا – دعت …