
ياسر عرفات.. حَبَّةُ سُنبلةٍ ماتت لتملأ الوادي سنابل ، بقلم : الصحفي سامح الجدي
في ذاكرة الشعوب، لا تُقاسُ حياة القادة بطولها الزمني، بل بعمق الأثر الذي يتركونه في وجدان أمتهم. وياسر عرفات، أو “أبو عمّار”، لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزًا لقضيةٍ تحولت بوجوده من حكاية شعبٍ مشرد إلى ملحمة نضالٍ وصمودٍ تتوارثها الأجيال.
حين قال الشاعر محمود درويش في رثائه: “ياسر عرفات.. حَبَّةُ سُنبلةٍ ماتت لتملأ الوادي سنابل”، لم يكن ذلك مجرد تشبيه بل خلاصةُ حكايةِ رجلٍ عاش ومات ليُثمرَ في وجدان أمته.
تميّز عرفات بقدرته على أن يجمع النقيضين: الثورة والدبلوماسية، الغضب والأمل، الصلابة واللين. كان يقف بين المخيمات بخطابه المشتعل، ثم يجلس على طاولات المفاوضات في العواصم البعيدة، حاملاً في حقيبته الصغيرة صورة القدس ودمعة اللاجئين.
وحين خُيّر بين المنفى والاستسلام، اختار أن يبقى في قلب المعركة، حتى وهو محاصر في رام الله، ظلّ صوته يعلو: “يريدونني أسيرًا أو طريدًا أو قتيلًا، وأنا أقول: شهيدًا .. شهيدًا.. شهيدًا.”
رحل عرفات جسدًا في عام 2004، لكن موته لم يكن ختامًا، بل بداية دورة حياة جديدة.
كما تموت الحبة في باطن الأرض لتنبُت سنابل، كذلك كان رحيله بذرةً لوعيٍ جديدٍ لدى الأجيال. فقد ترك خلفه إرثًا من الإصرار والعناد الوطني، وجعل من صورته بالكوفية رمزًا عالميًا للنضال والصمود.
لم يكن عرفات قائدًا لشعبه فقط، بل صار رمزًا أمميًا للحرية، يُذكَر اسمه إلى جانب قادة التاريخ الذين رفضوا الانكسار. اليوم، وبعد عقودٍ من رحيله، ما زالت فلسطين تنطق باسمه في الميادين، وما زال الشباب الذين لم يروه يرفعون صوره كأنه يعيش بينهم. لقد كان ياسر عرفات حَبَّةَ السُّنبلة التي آمنت بأن الموت في سبيل الأرض ليس فناءً، بل خصبٌ يولد منه الأمل.
وكما تمتلئ الوديان بالسنابل بعد موت الحبة، امتلأ الوجدان الفلسطيني بعشرات الآلاف ممن حملوا حلمه واستمروا في زرع الطريق نحو الحرية. في زمنٍ يُمحى فيه التاريخ وتُشوَّه فيه الرموز، يبقى عرفات شاهدًا على أن الإيمان بعدالة القضية أقوى من كل الهزائم.
لقد رحل الزعيم، لكن الوادي ما زال ممتلئًا بالسنابل التي أنبتها دمه، والريح ما زالت تردد صدى صوته :”ثورة حتى النصر.”
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .