12:52 صباحًا / 10 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

السودان بين الانقسام والتماسك ، تحليل سياسي وأزمة إنسانية متفاقمة ، بقلم : محمد زيات

السودان بين الانقسام والتماسك ، تحليل سياسي وأزمة إنسانية متفاقمة

السودان بين الانقسام والتماسك: تحليل سياسي وأزمة إنسانية متفاقمة ، بقلم : محمد زيات

مقدمة

في قلب أفريقيا، يعيش السودان حالة من الصراع المتداخل بين السياسة والقوى العسكرية والواقع الإنساني المرير، بين الانقلابات المتكررة والصراعات الداخلية، وبين التطلعات المدنية لإدارة الدولة، فيجد المواطن السوداني نفسه ضحية ديناميكيات السلطة المتشابكة، فالقتل، والتهجير، وتدمير البنية التحتية أصبحت جزءًا من الحياة اليومية في السودان وخصوصاً في الخرطوم ودارفور، مما يجعل فهم المشهد السياسي أمرًا حيويًا وضرورياً لفهم مستقبل البلاد.

في هذا المقال سنقدم قراءة تحليلية معمقة، تجمع بين الجذور التاريخية للانقسام، وعناصر التماسك السياسي، وتأثير القوى العسكرية مثل الجيش والدعم السريع، والأزمة الإنسانية الحالية، في محاولة لتقديم صورة متكاملة للواقع السوداني الذي أصبح في السنوات الأخيرة حتى يومنا هذا من أسخن مناطق الصراع على السلطة والنفوذ في العالم.

جذور الانقسام السياسي: التاريخ يعيد نفسه

منذ استقلال السودان رسمياً عام 1956، وإنتهاء الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، وهو يعاني من صراعات متكررة بين الجيش والحكومات المدنية المتعاقبة، فيما استمرت الحروب الأهلية التي أطالت من عمر الانقسام، مثل النزاع في جنوب السودان ودارفور، والذي أدى إلى انفصال الجنوب عام 2011، هذه الخلفية التاريخية خلقت ثقافة سياسية قائمة على الصراع وعدم الاستقرارعلى المدى الطويل.

ولو نظرنا للأحزاب السياسية، ورغم توافر النوايا للتعاون، غالبًا ما انشغلت بصراعات داخلية وإقليمية، مما أدى إلى اتساع الهوة بين النخبة السياسية والمواطنين، إضافة إلى ذلك ساهمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مثل البطالة والفقر وتدهور الخدمات العامة في تفاقم الانقسامات، مما جعل كل نزاع سياسي له انعكاس مباشر على الحياة اليومية للمواطنين.

ومن الأمثلة التي تعد حديثة وواضحة، الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، حيث أطاح الجيش بالحكومة المدنية الانتقالية، مما أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة، أبرزت الصراع بين السلطة العسكرية ورغبة الشعب في حكم مدني ديمقراطي مثل باقي الشعوب، كما شهدت الخرطوم مواجهات دامية بين الجيش ومجموعات الدعم السريع التي تُتهم من قبل السودان الرسمي اليوم بأنها مُمولة من قوى إقليمية وعالمية، والتي أسفرت عن مقتل المئات وتهجير عشرات الآلاف، ما يظهر أن الانقسام السياسي أصبح أزمة إنسانية مباشرة.

عناصر التماسك: بصيص أمل وسط الفوضى

على الرغم من هذه الانقسامات العميقة، لا يزال هناك عناصر للتماسك السياسي في السودان، فالحوار الوطني والمبادرات المدنية حاولت تقليل حدة النزاعات وتقديم حلول وسط بين الأطراف المتصارعة، والاتفاقيات الانتقالية، رغم صعوبتها، مثلت خطوة مهمة نحو محاولة إعادة التوازن بين القوى العسكرية والمدنية.

ويلعب المجتمع المدني دورًا أساسيًا في هذا السياق، من خلال الحملات الشعبية والمبادرات المجتمعية التي تدعو إلى حماية المدنيين وتعزيز الحوار، هذه المبادرات تعكس إرادة السودانيين في السعي نحو السلام والاستقرار، رغم الظروف العنيفة التي يعيشونها.

كما أن الدعم الدولي والإقليمي كان عنصرًا محوريًا، سواء عبر الضغط السياسي أو تقديم الدعم المالي والإنساني، صحيح أن هذا الدعم أحيانًا يصطدم بالمصالح العسكرية أو الانقسامات الداخلية، لكنه ساهم في منع الانهيار الكامل للنظام السياسي في كثير من المراحل، وفتح باب للحلول التوافقية.

وهناك أمثلة ملموسة تشمل المبادرات المجتمعية لحماية المدنيين أثناء الاشتباكات المسلحة، والاتفاقيات المؤقتة بين الجيش والدعم السريع لتقليل النزاع في مناطق محددة، هذه الأمثلة تظهر أن التماسك السياسي ممكن حتى وسط النزاعات المسلحة، وفي نفس الوقت إن ما يحدث في هذه الأيام من صراع عنيف ودامي بين الجيش السوداني ومجموعات الدعم السريع التي ترتكب اقوى وأعنف أنواع الجرائم في مدينة الفاشر ودارفور، سيكون له آثاره القاسية والطويلة على الشعب السوداني حتى بعد حسم هذا الصراع.

ديناميكيات السلطة: الجيش، الدعم السريع والحكومة المدنية

السودان يعيش في توازن هش بين القوى المتصارعة:

  • الجيش السوداني: هو القوة العسكرية التقليدية، ويعد الجيش الرسمي للدولة، والذي يتحكم في مفاصل الدولة، وغالبًا ما يكون الطرف الحاسم في أي نزاع سياسي.
  • مجموعات الدعم السريع: وهي قوة شبه مستقلة، تطورت من ميليشيات الجنجويد، ولها مصالحها العسكرية والسياسية الخاصة، والتي كانت تتنافس مع الجيش على النفوذ والسيطرة على المدن والمناطق الاستراتيجية.
  • الحكومة المدنية: تمثل القوى السياسية الشرعية والمدنية، لكنها غالبًا ضعيفة أمام النفوذ العسكري الكبير، مما يحد من قدرتها على حماية المدنيين أو تنفيذ سياسات مستقرة.

نتيجة هذا التداخل، أصبحت السلطة تتحرك وفق توازن القوى غير المستقر، حيث أن كل خطوة عسكرية أو سياسية تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، فالأزمات الأخيرة في الخرطوم والفاشر ودارفور تؤكد أن الانقسام السياسي تحول إلى أزمة إنسانية متفاقمة تشمل القتل والتهجير الجماعي وتدمير البنية التحتية كما أسلفنا.

الأزمة الإنسانية: تداعيات الصراع على المدنيين

الصراعات بين الجيش والدعم السريع لم تقتصر على السياسة فقط، بل امتدت لتشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين، فالنزاعات المسلحة أدت إلى:

  • مقتل المئات في المواجهات المسلحة الأخيرة.
  • تهجير جماعي لمئات آلاف المواطنين من منازلهم.
  • تدمير المدارس والمستشفيات والمنازل، ما أضر بالبنية التحتية الأساسية، والتي تعاني أصلاً من نزيف في الإمكانيات.

ومن الناحية الاقتصادية، تأثرت الأسواق المحلية، فتوقفت الأنشطة التجارية، وتدهورت العملة الوطنية، مما زاد من معاناة المواطنين، وزاد من حدة الفقر والبطالة والقدرة المحدودة على الوصول للخدمات الأساسية، مما أصبح الوضع مأساويًا خاصة للمشردين داخليًا واللاجئين في دول الجوار.

وفيما يخص التحديات المستقبلية فهي، تشمل استمرار التوتر بين الجيش والدعم السريع، وضعف قدرة الحكومة المدنية على حماية المدنيين، ونقص الدعم الدولي المتقلب ومع ذلك، هناك فرص للتماسك السياسي والإنساني عبر تعزيز الحوار المدني والمجتمعي وإعادة بناء مؤسسات الدولة، ولكن بشرط توافر الإرادة السياسية لدى جميع الأطراف، وأن يتم التنازل عن المصالح الضيقة التي تتغذى من قوى خارجية.

الخاتمة…

في السودان اليوم ليس مجرد صراع على السلطة، بل تجربة معقدة تجمع بين الانقسام السياسي، والنفوذ العسكري، والصراع الإنساني، فالجيش والدعم السريع والحكومة المدنية كل منهم يمثل جزءًا من ديناميكيات السلطة التي تؤثر مباشرة على حياة المواطنين، وهذه المجموعات إذا ما إمتثلت في أسرع وقت إلى تغليب المصلحة الوطنية، وجعلها لغة الحوار التي يُبنى عليها كل المراحل اللاحقة، فلا شك أن هذا الصراع سيطول وقد يؤدي إلى كوارث أثقل وأشد على الشعب السوداني، والتي يصعُب التعافي منها على مدار عقود قادمة.

وعن بصيص الأمل، ورغم كل هذه التحديات، تبقى الحكمة السياسية والحوار الوطني، وتعزيزالمشاركة المجتمعية، والدعم الدولي البنّاء والغير قائم على تحقيق المكاسب والإطماع الخارجية في خيرات السودان، هو ما يمكن أن يساعد على تجاوز الانقسامات الحالية، وعلى القارئ العام أن يدرك أن متابعة هذه الأحداث وتحليلها هي الطريقة الوحيدة لفهم المستقبل المحتمل للسودان، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني.


ويبقى السؤال مفتوحاً:- متى سيكون هناك وعي وصحوة وطنية لدى قيادة أطراف النزاع داخل السودان من أجل إستغلال ما وهبهُ الله لهذا البلد من خيرات لا حصر لها؟

شاهد أيضاً

السفير محمد الأسعد في كأس الرئيس ياسر عرفات : رسالة من شباب فلسطين ولبنان إلى الاحتلال

السفير محمد الأسعد في كأس الرئيس ياسر عرفات : رسالة من شباب فلسطين ولبنان إلى الاحتلال

شفا – أطلق الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم – فرع الشتات (لبنان) بطولة “كأس الرئيس الشهيد …