
قراوة بني حسان ، بلدة التاريخ والكرم ودار الضرب ، بقلم : د. عمر السلخي
على تلالٍ تعانق الريح شمال غرب مدينة سلفيت، تتربّع بلدة قراوة بني حسان، حاملةً في اسمها عبق الكرم والتاريخ، وفي أرضها شواهد الحضارات التي مرّت على فلسطين منذ آلاف السنين.
سُمّيت قراوة بني حسان بهذا الاسم نسبةً إلى الرجل الصالح أبو محمد عبد الحميد بن ماض الحساني، الذي يعود أصله إلى القبائل الحسنية التي كانت مسؤولة عن حفظ الطرق التجارية من باب الخليل في القدس إلى قرية عزون شمالاً، أما كلمة “قراوة” فهي مشتقة من القرى، وتعني الكرم وحسن الضيافة، وهي صفة تلازم أهل البلدة حتى اليوم.
الموقع والحدود
تقع البلدة شمال غرب مدينة سلفيت، وتبعد عنها حوالي 8.9 كم هوائيًا (أي المسافة الأفقية بين مركز البلدة ومركز المدينة)، وترتفع عن سطح البحر 391 مترًا، يحدّها من الشرق بلدة ديراستيا وقرية حارس، ومن الجنوب قرية سرطة، ومن الغرب بلدة بديا، ومن الشمال بلدة ديراستيا، ما يجعلها نقطة التقاء طبيعية بين عددٍ من قرى وبلدات المحافظة.
المعالم التاريخية والطبيعية
دار الضرب (قبر الملك بيرظون)
على بعد كيلومترٍ واحدٍ فقط جنوب شرق قراوة بني حسان، تقع دار الضرب، أو كما وردت على الخرائط البريطانية القديمة (Dar ed-Darb) أي دار الدرب – الطريق، لا بمعنى مكان صك النقود كما ظنّ البعض.
يمتد الموقع على مساحة 17 دونمًا، ويرتفع عن سطح البحر حوالي 375 مترًا، وقد اكتُشف أثناء مسح غرب فلسطين ما بين عام 1870-1877، تُظهر بقايا الأعمدة والمباني المقطوعة في الصخر أن الموقع كان مقبرة كبيرة استخدمت للدفن في الفترتين الهلنستية والرومانية، وتنتشر فيه المغر والقبور المنحوتة في الصخر.
الرحالة الفرنسي السيرجن بلاك رسم الموقع بدقة عام 1873، مؤكداً أنه موقع جنائزي يضم ثلاث حجرات دفن داخلية أُنشئت لأغراض أمنية لحماية التوابيت من اللصوص، إلا أن المقبرة تعرّضت لاحقاً للنهب والتخريب.
مغارة الشياطين
اسمها يُثير الخيال، لكن لا علاقة له بالأسطورة،فـ “مغارة الشياطين” في الحقيقة تشكّلت بفعل العوامل الطبيعية، حين اكتشفها أحد المزارعين صدفةً بين أشجار الخروب على قمة جبل المحفور، وهو الأشهر في البلدة، مدخلها ضيّق لا يتسع إلا لشخص واحد يزحف بضع أمتار حتى يصل إلى تجاويف مظلمة مدهشة الجمال، حيث تتناثر الصخور الملوّنة والممرات التي نحَتها الماء عبر الزمن، مشكلةً لوحاتٍ صخرية طبيعية تشبه مغارة جعيتا شمال بيروت، تحتوي المغارة على أربع غرف وهوّة تنزل إلى مستوى ثانٍ، وقد تكوّنت بفعل الرواسب الكلسية وتساقط قطرات الماء عبر آلاف السنين، ما جعلها واحدة من أندر الظواهر الجيولوجية في محافظة سلفيت.
عيون الماء (الينابيع)
عرفت قراوة بني حسان منذ القدم ينابيعها الثلاثة التي كانت مصدر حياةٍ للسكان والمواشي:
⦁ بئر أبو عمار : يقع غرب البلدة على بعد نحو 2 كم، مياهه قوية ولا تجف حتى في فصل الصيف.
⦁ نبع النويطف: يقع شمال شرق البلدة على بُعد 2.5 كم، مياهه ضئيلة لكنها دائمة الجريان.
⦁ نبع الماجور : في الجهة نفسها من النويطف، مياهه قليلة لكنها لا تجف صيفاً.
كانت هذه الينابيع شريان الحياة للقرية، ومنها استقى أهلها الماء لأجيالٍ متعاقبة قبل وصول شبكات المياه الحديثة.
الاستيطان في قراوة بني حسان.. بلدة تحاصرها المستوطنات
رغم عمقها التاريخي وجمال طبيعتها، تواجه قراوة بني حسان واحدة من أكثر الهجمات الاستيطانية اتساعًا في محافظة سلفيت، فموقعها الجغرافي المميز بين بديا وديراستيا جعلها هدفًا دائمًا لمشاريع التوسع الإسرائيلي في المنطقة (ج)، حيث تمتد على أراضيها المستوطنات الإسرائيلية من الغرب إلى الشرق، تحاصر البلدة من جهاتٍ عدة، وتلتهم أراضيها الزراعية تدريجيًا، وتتعرض لحملات تضييق من قبل الاحتلال الإسرائيلي تتمثل في هدم المنازل وانذرات وقف البناء ومصادرة اليات ومعدات البناء تحت حجة انها تقع في مناطق ج.
فمن الجهة الجنوبية تقع مستوطنة “بركان” الصناعية، التي تتوسع على حساب أراضي القرية منذ سنوات الثمانينيات، فيما تحاصرها من الشرق مستوطنة “رفافا”، ومن الجنوب الشرقي مستوطنة “كريات نتافيم”، وتم اضافة بؤرة استيطانية في خلة حسان حيث تم مصادرة ما يزيد عن ١٢ الف دونم، وحرمان المواطنين من الوصول الى اراضيهم، لتشكل جميعها كتلة استيطانية متصلة تمتد حتى أطراف بلدة بديا، كما أقيمت على أراضيها الطرق الالتفافية والجدار العازل الذي عزل آلاف الدونمات خلفه، وحرم المزارعين من الوصول إلى حقول الزيتون والكروم، في واحدة من أكثر سياسات المصادرة تعسفًا في المنطقة الغربية لمحافظة سلفيت.
ورغم محاولات التهويد المتواصلة، تواصل قراوة بني حسان صمودها اليومي في وجه الاحتلال، وتبقى البلدة مثالاً على إرادة الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وتاريخهم وهويتهم، وهي بلدة التاريخ والكرم والمغارات والينابيع التي تروي حكاية الإنسان الفلسطيني بين الحجر والذاكرة.



شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .