3:23 صباحًا / 7 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة نقدية وملخّص رواية “غُربة” للكاتب فوزي بدر نجاجرة ، بقلم: د. منى أبو حمدية

قراءة نقدية وملخّص رواية "غُربة" للكاتب فوزي بدر نجاجرة ، بقلم: د. منى أبو حمدية

قراءة نقدية وملخّص رواية “غُربة” للكاتب فوزي بدر نجاجرة ، بقلم: د. منى أبو حمدية


تأليف: فوزي بدر نجاجرة


النوع الأدبي: رواية اجتماعية نفسية – واقعية رمزية
الموضوع العام: الاغتراب الإنساني والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني

أولاً: التقديم العام


رواية “غُربة” عمل سردي إنساني عميق يغوص في التجربة الفلسطينية المعاصرة من خلال منظورٍ ذاتيّ يتقاطع فيه الهمّ الفردي بالهمّ الجمعي.


يُقدّم الكاتب نصاً متين البنية، تلتقي فيه الواقعية الاجتماعية بالنزعة الوجودية، حيث تتحول الغربة من حالةٍ مكانية إلى حالةٍ نفسية ووجودية تحاصر الإنسان في وطنه وفي ذاته في آنٍ واحد.

ثانياً: البنية السردية


يعتمد الكاتب بنيةً سردية خطّية متقطعة بضمير المتكلم، مما يمنح النص صدقاً وجدانيا وعمقا اعترافياً.
تتحول الذاكرة إلى فضاءٍ للحوار بين الماضي والحاضر، وبين التجربة الشخصية والوجع الجمعي، عبر مشاهد تستند إلى تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) التي تمنح الرواية بعدا نفسيا وتأملياً.

ثالثاً: الثيمات المركزية


1. الغربة الوجودية:
تتجاوز الغربة معناها المكاني لتصبح غربةً عن الذات والهوية. يعيش البطل في وطنه كغريبٍ منبوذ، مطرود من دفء العائلة والمجتمع.
2. الحرية والكرامة:
تتجلى في وعي البطل بعد السجن والقهر، حين يدرك أن الحرية تبدأ من الداخل، من رفض الخضوع والخوف.
3. المرأة كرمز إنساني:
الأمّ، الأخت، الحبيبة — ثلاثية أنثوية تمثل الحنان والأرض والأمل. المرأة في الرواية ليست كائناً ثانويا، بل رمز المقاومة والحب والبقاء.
4. الجهل والقهر الاجتماعي:
يكشف الكاتب تناقضات المجتمع القروي الفلسطيني، حيث تُرتكب الجرائم باسم التقاليد، ويُقهر الإنسان باسم الدين أو العائلة.

رابعاً: اللغة والأسلوب


لغة “غُربة” تجمع بين الشاعرية والتقريرية. فهي لغة مشحونة بالعاطفة والرمز، دون أن تفقد وضوحها وارتباطها بالواقع.
تكثر فيها العبارات التأملية مثل:

«كنت أعيش غربة حقيقية عن كل ما حولي، عن نفسي، عن وجهي في المرآة، حتى صار الوطن وجعًا لا يُرى.»

توظيف الصور البلاغية يضفي على السرد بعداً انسانياً شفافاً، يجعل القارئ يعيش التجربة لا يسمعها فقط.

خامساً: الشخصيات


• الراوي/محمود: بطل الرواية، يمثّل الإنسان الفلسطيني الباحث عن ذاته وسط الانكسارات، يواجه اليُتم والظلم ويكبر في وعيه حتى يدرك أن الغربة داخله لا حوله.
• الأم (نهلة): رمز الوطن والحنان، تُجبر على الزواج القسري، وتقاوم حتى الموت، لتصبح شهيدة الكرامة والحرية.
• العم (عمسيى): رمز السلطة الأبوية القاسية والجهل المتوارث.
• الجد (الشيخ محمد): يمثل الحكمة والإيمان والاتزان، لكنه ايضاً عاجز أمام الواقع القاسي.
• الطفلة صِمّة: الأخت الصغيرة، رمز البراءة والذاكرة التي تُذكّر البطل بإنسانيته رغم القهر.

سادساً: الزمن والمكان


يتوزع الزمن بين الماضي (ذكريات الطفولة) والحاضر (رحلة النضوج والوعي)، في تداخل يجعل الأحداث غير خطية بل تأملية.


أما المكان فيتحرك من القرية إلى المدينة إلى السجن، حتى يتحول الوطن نفسه إلى فضاءٍ منفى، حيث يعيش الإنسان غريباً بين أهله.

سابعاً: البعد الفلسفي والرمزي


يتجاوز النص حدود الواقعية إلى بعدٍ فلسفي عميق، إذ تتحول الغربة إلى سؤال وجودي:

هل الغربة قدر أم اختيار؟

يقدّم الكاتب إجابةً ضمنية مفادها أن الغربة تنشأ حين يُفقد الإنسان صوته، وحين يختار الصمت بدل المواجهة.
هنا تتقاطع الرواية مع الفكر الوجودي الإنساني الذي يرى أن الإنسان مسؤول عن حريته ومعناه.

ثامناً: البعد الاجتماعي والسياسي


الرواية مرآة لواقعٍ فلسطينيّ تتشابك فيه السياسة بالاجتماع.


تعكس أزمة الهوية في ظل الاحتلال والتهميش، وتنتقد الفساد والجهل والظلم الطبقي.
لكنها أيضاً وثيقة وعيٍ اجتماعي تدعو إلى التنوير والتعليم والكرامة بوصفها طريق الخلاص من الغربة.

تاسعاً: التقييم النقدي العام


تُعد “غُربة” من الروايات الواقعية الحديثة التي تمزج بين السيرة الذاتية والرمز الإنساني.


قوتها في صدقها النفسي وشجاعتها في نقد الواقع الاجتماعي.


أما لغتها فمزيج من العفوية والعمق، تُحاكي القارئ بلغته اليومية، لكنها تترك فيه اثراً فلسفياً طويل المدى.

رغم امتداد الأحداث، فإن البناء محكم، والشخصيات متطورة، والنهاية مفتوحة تتيح التأويل.
إنها رواية الوعي والوجع في آنٍ واحد، تحوّل المعاناة إلى درس في الصمود والحرية.

عاشراً: الخاتمة


“غُربة” ليست عن مكان بعيد، بل عن المنفى الداخلي الذي يسكننا جميعاً .


هي شهادة أدبية على وجع الإنسان الفلسطيني في رحلته من الخضوع إلى الوعي، ومن الألم إلى الأمل.
رواية تكتب الذات الفلسطينية وهي تواجه مجتمعها وتاريخها، وتعلن أن الكلمة مقاومة، وأن الحلم هو آخر ما يُنتزع من الإنسان.

بالمجمل هي رواية تُقرأ بالقلب قبل العين، لأنها تكتب الإنسان في لحظة اغترابه القصوى، وتعيد له حقّه في أن يحلم.

ملخّص الرواية

تبدأ الرواية بطفولة الراوي الذي يفقد والده في حادث مؤلم، فتبقى الأم “نهلة” تكافح لتربية طفليها (محمود وصِمّة).
تتعرض لضغطٍ من إخوتها لإجبارها على الزواج من أخ زوجها القاسي “عمسيى”، لكنها ترفض، لتلقى حتفها في صراعٍ دمويٍّ ظالم.


يفقد الطفلان الأم، ويبدآن رحلة التيه واليُتم في بيت الجد العجوز “الشيخ محمد” الذي يمنحهما شيئا من الأمان، لكنه لا يستطيع حمايتهما من قسوة العم وزوجته.


ينمو البطل وسط القهر، ويتعلم الحلاقة كمهنة تحفظ كرامته، ويبدأ في تأمل الناس والحياة من موقعه كحلاق القرية.
من خلال هذه التجربة، يبدأ رحلة الوعي والنضوج، فيكتشف أن الغربة الحقيقية ليست في البعد عن المكان، بل في انكسار الروح وسط مجتمعٍ قاسٍ.


وفي النهاية، يدرك أن خلاص الإنسان لا يكون إلا بالمعرفة والإيمان بالذات، وأن الوعي هو الطريق الوحيد للتحرر من الغربة والظلم.

أبرز الرموز والدلالات
• الأم: رمز الوطن والرحمة المفقودة.
• العم: تجسيد السلطة الجاهلة القمعية.
• الجد: الوعي الروحي والاتزان الإيماني.
• الأخت الصغيرة: البراءة والذاكرة.
• المكان: الوطن الذي تحوّل إلى سجنٍ كبير.
• الغربة: الحالة الوجودية التي تختصر مصير الإنسان الفلسطيني.

الرسالة الجوهرية


يقدّم فوزي بدر نجاجرة في “غُربة” رؤيةً أدبية إنسانية عميقة، تؤكد أن الحرية تبدأ من الوعي، وأن الغربة ليست قدراً بل نتيجة لسكوتنا عن الظلم.


إنها روايةٌ عن الإنسان في أقصى درجات ضعفه، لكنها ايضاً عن قدرته على النهوض من الرماد.

رواية “غُربة” تحمل أهمية وجمالية خاصة لأنها تمزج بين الصدق الإنساني والوعي الاجتماعي في سردٍ مؤثر يكشف وجع الفلسطيني وغربته داخل وطنه.


أهميتها تنبع من قدرتها على تحويل التجربة الفردية إلى رمزٍ إنساني عام، فهي لا تروي قصة بطل واحد، بل حكاية جيلٍ بأكمله يعيش القهر والبحث عن الكرامة.


أما جماليتها فتتجلى في لغتها الشعرية البسيطة التي تنبع من القلب وتخاطب الوجدان، وفي عمقها النفسي والفلسفي الذي يجعل القارئ يشارك البطل تأملاته وألمه وأمله.


إنها رواية تؤنسن الغربة وتحوّل الوجع إلى فعل وعيٍ وجمال، فتبقى حاضرة في الذاكرة كعمل أدبي صادق ومضيء.

شاهد أيضاً

مستوطنون يسرقون ثمار الزيتون ويحطمون عددا من الأشجار جنوب الخليل

شفا – سرق مستوطنون مسلحون، ثمار الزيتون بعد أن هاجموا حقول المواطنين وحطموا عددا من …