
وضوح الهدف وشجاعة الموقف ، دروس من ندوة الرفيق أيمن عودة وآفاق مواجهة الفاشية ، بقلم : محمد علوش
أتفق مع كل ما أبداه الرفيق أبو الطيّب، وأجدد إيماني بالخط الوطني الديمقراطي التقدمي والنضالي الذي تمثله الجبهة والحزب في الداخل.
في مساء افتراضي اتسع لنبض الوعي الوطني وحيوية النقاش السياسي، نظم “المنبر التقدمي الديمقراطي الفلسطيني المستقل” ندوة هامة استضافت الرفيق والصديق النائب أيمن عودة، بحضور نخبة من الكوادر والشخصيات الفلسطينية. لم تكن الندوة مجرد لقاء فكري، بل كانت مساحة صافية للحوار العميق، لتشخيص المشهد السياسي العربي داخل “إسرائيل”، ورسم ملامح المواجهة المطلوبة أمام تصاعد الفاشية والعنصرية وسياسات الإقصاء.
أظهرت الندوة بجلاء أن المجتمع العربي في الداخل يواجه لحظة اختبار مصيرية؛ فالفاشية الصاعدة ليست حادثة عابرة، بل ثمرة تراكم سياسات داخلية وخارجية، من التطبيع العربي الرسمي إلى استراتيجيات الاحتواء وتهميش الصوت الوطني، ما أضعف الصلابة الجماعية وفتّت الإرادة السياسية، ومن هنا تصبح الوحدة والاصطفاف الشعبي والسياسي ضرورة وطنية عاجلة، لا رفاهية أو شعاراً زائفاً.
خلال النقاش، طُرحت خيارات النائب منصور عباس بين منطق التفاوض كوسيلة نضالية، ومنطق المقايضة الذي يحوّل السياسة إلى صفقات، وأؤكد هنا، انسجاماً مع ما طُرح، أن التفاوض أداة لخدمة الموقف النضالي، لا رخصة للمساومة على الثوابت الوطنية، أي انخراط في مسار التطبيع أو جني الامتيازات يضعف صدقية العمل الوطني ويقوض ثقة الناس بقيادته، ونحن لا ندعو للعزلة، بل لتجديد روح المقاومة السياسية الواعية، التي تميّز بين الحوار البناء والمقايضة المصلحية.
على الصعيد الإسرائيلي العام، اتفق الحضور على أن اليمين يعيش أزمة فكرية وأخلاقية عميقة بعد فشل محاولاته لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، فالصلابة الفلسطينية لم تلن رغم النار والدمار، والمطلوب اليوم تحويل هذه الصلابة إلى برنامج سياسي واقعي، يبني كتلة تاريخية قادرة على فرض حضورها الفاعل في السنوات القادمة.
من أبرز المخرجات التي أرحب بها، الدعوة إلى تشكيل “جبهة سلام موحّدة” تضم جميع فئات المجتمع العربي، وتمتد لتشمل القوى الديمقراطية واليهودية التقدّمية المناهضة للفاشية، هذه الجبهة، التي ترفع راية السلام العادل والعيش المشترك على أساس إنهاء الاحتلال وحل الدولتين، ليست شعاراً تجميلياً، بل خياراً استراتيجياً لمواجهة مشروع التفوق العنصري، وتثبيت الحضور الوطني في قلب المشهد الإسرائيلي.
الحراك الشعبي في الشارع المناهض للعنصرية والانقلاب على القضاء يشكّل ساحة نضالية موازية للبرلمان والمنابر السياسية، فالمشاركة في هذه الحراكات هي انخراط في معركة الوعي والديمقراطية، شريطة أن يظل الهدف واضحاً والموقف شجاعاً، وألا يتحول الفضاء الاحتجاجي إلى أداة لتشويش الهوية الوطنية.
وفي ميدان الانتخابات، يمثل رفع نسبة التصويت في الوسط العربي مسؤولية وطنية كبرى، لا تتحقق إلا من خلال قائمة عربية موحّدة تعبّر عن الموقف الوطني الجامع، وهذا الخيار يقوم على تغليب المصلحة العامة على الحسابات الفئوية والحزبية، وبناء وحدة سياسية وشعبية قادرة على مواجهة اليمين الفاشي، وتعزيز التواصل مع رفاق النضال في الضفة وغزة، في إطار جبهة فلسطينية موحّدة، لتأسيس نضال شامل ضد الفاشية والاستعمار معاً.
لقد أثبتت التجارب، من الانتفاضة الأولى التي دشّنت طريق أوسلو، إلى الانتفاضة الثانية التي فرضت معادلات جديدة، أن القوة الشعبية المنظمة قادرة على فرض الإرادة الوطنية متى امتلكت الوعي والبرنامج، أما المناورات الشكلية والتفاهمات الجزئية، فقد مهدت الطريق أمام عودة اليمين والفاشية كبديل سياسي مدمر. الدرس الأعمق الذي نستلهمه اليوم أن الفعل السياسي يقاس بقدرته على تمثيل إرادة الناس وتنظيم طاقاتهم نحو هدف واضح واستراتيجية بعيدة المدى.
ندوة الرفيق أيمن عودة لم تكن حدثاً افتراضياً عابراً، بل خطوة ضرورية نحو إعادة ترتيب البيت السياسي الفلسطيني، وتعميق التنسيق بين القوى الوطنية والتقدّمية، وبلورة مشروع ديمقراطي متجدد يواجه الفاشية بالوعي والوحدة والمقاومة المدنية، فطريق الحرية لا يختصر بشعار، بل يعبّد بالعمل المشترك، والجرأة في الموقف، والصدق مع الذات، وسنبقى، ما حيينا، أوفياء لهذا الدرب: درب النضال الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، درب الحرية والكرامة لشعبنا في كل مكان.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .