
صناديق الاقتراع.. مفاتيح البعث الوطني وتجديد الشرعية الفلسطينية ، بقلم : محمد علوش
في لحظة تاريخية تتداخل فيها ظلال الجرح الفلسطيني بنور الأمل، تقف فلسطين أمام مفترق لا يشبه سواه؛ مفترق يفصل بين الركود والنهضة، بين بقاء مثقل بأوجاع الماضي وانبعاث جديد من رماد الانقسام والعجز، وفي هذه اللحظة بالذات، تغدو الانتخابات العامة ليست مجرّد فعل إجرائي أو مناسبة سياسية، بل فعل بعث وطنيّ وإعلان إرادة جماعية تستردّ من التاريخ حقَّها في الحضور، ومن المستقبل حقَّه في التشكل، فصناديق الاقتراع ليست صناديق خشبية مغلقة، بل نوافذ مشرعة على المستقبل، تطلّ منها روح الشعب لتقول كلمتها الفصل في من يحكمها وكيف يحكم الوطن، وهي التعبير الأصدق عن أن الشعب الفلسطيني، الذي قاوم الاحتلال بكل أشكال النضال، قادرٌ أيضاً على مقاومة الجمود الداخلي وإعادة بناء شرعيته السياسية على أسس ديمقراطية صلبة تعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتربط بين الشرعية التاريخية والشرعية الدستورية في سياق وطنيّ متكامل.
لقد آن للنظام السياسي الفلسطيني أن يتجدّد، أن يغتسل من غبار السنين ومن إرث “الكوتا” الفصائلية التي كبّلت حركته، وأن يفتح الباب أمام ميلاد جديد لشرعية تستمدّ من الشعب لا من التوازنات، ومن الصندوق لا من الصفقة، فمرحلة الثورة، بكل عظمتها وضروراتها، لم تكن سوى التمهيد الحتمي لمرحلة الدولة، تلك التي تستوجب وعياً جديداً بالقيادة والمساءلة والتمثيل، وأدوات قادرة على التعبير عن كلّ الطيف الفلسطيني، في الوطن والشتات، تحت راية واحدة ومؤسسات جامعة.
وما شهدته الساحة الدولية في الأشهر الأخيرة من موجة اعترافات نوعية بدولة فلسطين لم يكن إلا ثمرة لنضال طويل وصمود أسطوريّ، وتعبيراً عن عدالة القضية التي باتت تتغلغل في ضمير العالم، غير أنّ هذه الإنجازات ستظلّ ناقصة ما لم تترجم إلى فعل وطنيّ داخليّ يعيد إنتاج النظام السياسي على قاعدة الشراكة والمساءلة، لا على منطق الغلبة أو التوريث السياسي.
من هنا، يكتسب مرسوم الرئيس بتشكيل لجنة التحضير للانتخابات العامة، إلى جانب لجنة إعداد الدستور المؤقت، أهمية وطنية وتاريخية عميقة؛ فهو ليس مجرد تنظيم إجرائيّ، بل إعلان عن نية الدخول إلى زمن الدولة الحديثة، القائمة على الدستور والمؤسسات وسيادة القانون، وإنّ الدستور المرتقب لن يكون نصّاً جامداً، بل ميثاقاً أخلاقياً يعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع، ويضمن حضور الشباب والنساء كركيزة في بنية الدولة القادمة، دولة تبنى على المشاركة لا على الإقصاء، وعلى الوعي لا على التبعية.
لكنّ الاحتلال، كعادته، يقف على الضفة الأخرى من التاريخ، رافضاً الشرعية، خائفاً من صندوق قد يفضح زيف روايته، فيسعى لمنع الانتخابات في القدس كما يسعى لخنق أيّ بارقة ديمقراطية في الجسد الفلسطيني، إلا أنّ هذا الشعب الذي لم يخضع للسيف، لن يخضع لفيتو الاحتلال؛ سيصوّت بإرادته، بالحبر والدم، من أجل أن تبقى فلسطين حاضرة في ذاكرة الحرية الإنسانية.
إنّ طريق الإصلاح الحقيقي لا يعبد إلا بإرادة الناس، فالشعب وحده هو القادر على انتشال النظام السياسي من عجزه، وإعادة بعثه على أسس جديدة من الكفاءة والمساءلة والشرعية، وإنّ صناديق الاقتراع هي مفاتيح البعث الوطني، ومرايا تعكس وعي الأمة وتطلّعها، ومن خلالها تفتح أبواب المستقبل على دولة فلسطينية ديمقراطية مدنية تعددية، تكون فيها السيادة للإنسان، والحرية قدر الوطن، ففي النهاية، لا يكتمل مشروع التحرر إلا بديمقراطيةٍ تحميه، ولا تبنى الدولة إلا على إرادة مواطنيها، أولئك الذين آمنوا بأنّ الحرية ليست شعاراً، بل ممارسة تولد من رحم المشاركة، وأنّ فلسطين — كما كانت دوماً — تستحق أن تحكم بإرادة شعبها الحرّ، لا بإملاءات الآخرين.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .