
من هو الرئيسي في الساحة الفلسطينية ؟ ، بقلم : محمد علوش
مع ترحيبنا بأيّ لقاء وطنيّ يعقد في أيّ مكان، وأيّ جهد يسعى إلى كسر حالة الجمود والانقسام، إلا أن من الواجب التوقّف مليّاً أمام الصياغات الملتبسة التي بدأت تتسلّل إلى الخطاب السياسي الفلسطيني، وعلى رأسها ما بات يطلق عليه “القوى الرئيسية”، وكأننا أمام تصنيف جديد يفرز بين من له الحقّ في القرار الوطني، ومن عليه أن يكتفي بدور الشاهد أو المصفّق في المشهد السياسي.
فمن هو “الرئيسي” في ساحتنا الفلسطينية؟ أهو من يمتلك القوة العسكرية؟ أم من يحتكر التمثيل السياسي؟ أم من يملك مفاتيح المال والتأثير الخارجي؟
إن معيار “الرئيسية” في العمل الوطني لا يقاس بالقدرة على احتلال الشاشات أو المنابر، بل بمدى الالتصاق بالناس، وبالقدرة على حمل الهمّ الجمعي للشعب الفلسطيني، في المخيم والقرية والمدينة، في غزة كما في جنين، وفي المنافي كما في كل ساحة من ساحات الوطن.
لقد تابعنا جميعاً ما جرى في القاهرة من لقاءات ثنائية وجماعية بين فصائل مختلفة، بعضها منخرط في المنظمة وبعضها خارجها، برعاية مصرية مشكورة تسعى إلى إعادة ترميم البيت الفلسطيني المنهك، غير أن جوهر الإشكال لا يكمن في مكان اللقاء أو شكله، بل في مضمونه ومنهجه، وفي طبيعة القوى التي تُدعى لتقرّر مستقبل الشعب دون سواه.
إن الحديث عن تشكيل “لجنة تكنوقراطية مؤقتة لإدارة غزة” قد يبدو في ظاهره خطوة نحو ترتيب البيت الداخلي، لكنه في الجوهر لا يمكن فصله عن مشهدٍ أوسع، عنوانه إدارة ما بعد الحرب، لا إنهاء الانقسام بمعناه السياسي العميق، فالمطلوب ليس فقط “من يدير غزة”، بل “كيف تدار القضية الفلسطينية”، ومن يملك القرار في رسم استراتيجيتها التحررية.
لقد آن الأوان لتجاوز لغة المحاصصة والوصاية السياسية؛ فالشعب الفلسطيني الذي قدّم مئات آلاف الشهداء والجرحى، لا يقبل أن يختصر مصيره في لقاءات تعقد خلف الأبواب المغلقة، أو في بيانات تصاغ بعناية لترضي هذا الطرف أو ذاك.
إن وحدة الموقف لا تبنى على الإقصاء، ولا تتحقق عبر تصنيفات ضيّقة، بل على قاعدة المشاركة الوطنية الشاملة التي تضمّ كلَّ مكوّنات الشعب وفصائله وقواه الاجتماعية والنقابية والمدنية، دون استثناء أو تفريق.
نحن بحاجة إلى حوار وطنيّ حقيقي، لا إلى تفاهمات موسمية تولد في غرف الفنادق وتموت في دهاليز المصالح، ونحن بحاجة إلى حوار يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعيّ وحيد، ولكن بعد إعادة بنائها ديمقراطيّاً، لتضمّ كلَّ القوى التي تؤمن بالتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية.
إن مفهوم “الرئيسية” في الساحة الفلسطينية يجب أن يستبدل بمفهوم “الشراكة”، لأن الوطن لا يبنى بيدٍ واحدة، ولأن المقاومة ليست ملكاً لفصيل دون آخر، وما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرّقنا، شرط أن نملك الشجاعة للحديث بصراحة عن مواطن الخلل، وأن نتحرّر من عقلية الاستحواذ التي أنهكت مشروعنا الوطني وأضعفت قدرتنا على مواجهة الاحتلال ومخططاته.
إن اللحظة الراهنة، بكل ما تحمله من دماء وآلام وأمل، تستدعي تجاوز الحسابات الفصائلية، والعودة إلى المبدأ الأول، أن فلسطين أكبر من الجميع، وأن الشرعية لا تستمدّ من اتفاقات ولا من تحالفات مؤقتة، بل من الميدان، ومن نبض الجماهير التي لم تتعب رغم كلّ الجراح.
فليكن اللقاء في القاهرة، أو في أيّ عاصمة عربية أخرى، بداية لوعي جديد، يؤسّس لوحدة حقيقية لا لوحدة شكلية أو مشروطة، وليكن شعار المرحلة: لا رئيسيٌّ ولا هامشيّ، بل كلّنا شركاء في حمل هذه القضية إلى مرافئ الحرية والاستقلال.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .