2:33 مساءً / 27 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الإعلان الدستوري الفلسطيني: بين الاستقرار السياسي والغموض القانوني ، بقلم : محمد التاج

الإعلان الدستوري الفلسطيني: بين الاستقرار السياسي والغموض القانوني ، بقلم : محمد التاج

أثار الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمود عباس حول آلية تولي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مهام رئاسة السلطة الفلسطينية جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقانونية الفلسطينية. الإعلان جاء في توقيت حساس، ويبدو أنه يهدف إلى منع فراغ دستوري محتمل، وضمان استمرارية المؤسسات الوطنية، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول التطبيق العملي، وضمانات الانتقال الديمقراطي، ودور الفاعلين السياسيين في المشهد الوطني.

يبقى أكثر ما يثير التساؤل هو مدى وجود ضمانات حقيقية لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال التسعين يوما المنصوص عليها في الإعلان. حتى اللحظة، لا توجد خارطة طريق واضحة أو جدول زمني معلن لكيفية تنفيذ هذه الانتخابات، وهو ما يطرح سلسلة من الأسئلة حول آليات الإشراف على سجل الناخبين، وصلاحيات لجنة الانتخابات المركزية، وكذلك مصير الانتخابات في القدس، من دون ضمانات محلية ودولية، يبقى هذا البند نظريا، عرضة للتأجيل أو التعطيل، كما حدث في مناسبات سابقة.

كما يثير الإعلان تساؤلات حول مفهوم “القوة القاهرة” التي تتيح تمديد الفترة الانتقالية لأكثر من تسعين يوما بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني. المصطلح ظل فضفاضا، ولم تحدد معاييره بشكل واضح، ما يفتح الباب للتأويل والتسييس. من غير الواضح ما إذا كان يشمل الحرب أو الاحتلال أو الانقسام السياسي بين الضفة وقطاع غزة، ومن الجهة المخولة تحديد هذه الحالة. يظل هذا الغموض أحد أكبر التحديات أمام التطبيق العملي للإعلان.

علاوة على ذلك، يطرح الإعلان تساؤلات حول كيفية إدارة العلاقة بين الرئيس المؤقت وبقية مؤسسات السلطة في ظل تعطل المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستكتفي بتصريف الأعمال، أم ستشارك الرئيس المؤقت بشكل كامل في السلطة التنفيذية، وكيف سيتم ضبط العلاقة مع القضاء والأجهزة الأمنية، لضمان عدم حدوث تداخل أو صدام بين المؤسسات.

دور الفصائل الفلسطينية في تنفيذ هذا الإعلان يظل عنصرا حاسما. لا يمكن لأي إعلان دستوري أن يتحول إلى واقع عملي دون توافق وطني، خصوصا في ظل الانقسام بين فتح وحماس، ووجود قوى سياسية لا تشارك فعليا في مؤسسات منظمة التحرير. السؤال المركزي هنا هو ما إذا كانت هذه الفصائل ستقبل بهذا الترتيب المؤقت، وما إذا كان سيتم التعامل معه كخطوة وطنية شاملة أم كتحرك داخلي يخص تيارا أو فئة سياسية محددة.

رغم هذه الإشكاليات، يحمل الإعلان إيجابيات واضحة. فهو يمنع فراغا دستوريا قد يؤدي إلى صراعات داخلية، ويؤكد على مبدأ الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات، ويعيد تثبيت دور منظمة التحرير باعتبارها المرجعية الوطنية العليا، ويطمئن الشارع الفلسطيني من خلال وضع آلية محددة لتولي المهام في حال شغور المنصب. ومع ذلك، فإن التجاوز الواضح لنصوص القانون الأساسي، وغياب آليات الرقابة وضمانات التنفيذ، يظل تحديا كبيرا قد يستغل لتمديد السلطة أو فرض ترتيب سياسي دون توافق وطني شامل.

يبقى الإعلان خطوة سياسية مهمة، لكنها ليست الحل النهائي. نجاحها مرتبط بإرادة صادقة لإجراء انتخابات حرة وشفافة، وبمشاركة كل القوى الوطنية، وقدرة المؤسسات الدستورية على تحويل نص الإعلان من مجرد وثيقة إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية. وفي حال غياب هذه الشروط، فإن الإعلان سيظل مجرد محاولة لتأجيل أزمة دستورية، لا حلا لها.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تهاجم طلبة المدارس في الخضر جنوب بيت لحم

قوات الاحتلال تهاجم طلبة المدارس في الخضر جنوب بيت لحم

شفا – أصيب عدد من طلبة مدارس بلدة الخضر جنوب بيت لحم بالاختناق، اليوم الاثنين، …