
المرأة التي أصبحت كوناً ، رحلة نحو الحرية الشاملة ، بقلم : فداء بن عرفة
أن تكون المرأة قادرة على الجمع بين عمق الفيلسوف وشفافية الشاعر ومرح الطفل ووعي المفكر، فإن هذا التكامل النادر يمثل ذروة النضج الإنساني. إن هذه التحفة البشرية التي تتحقق في بعض الشخصيات الاستثنائية هي برهان على سمو الروح في رحلتها نحو الاكتمال.
إن الجمع بين هذه الأضداد المتناغمة ليس تناقضاً، بل هو ارتقاء وجودي يثبت أن الإنسان قادر على احتواء الكون في داخله. فالعقل النقدي الذي يمتلك الجراءة على التمييز بين المقدس الثابت والتراث البشري المتحول، ليس شكاً عبثياً، بل هو إحياء لروح التنوير الأصيل حيث كان العقل والنقل في حوار خلاق.
والشاعرة التي تعيش في أعماق هذه الشخصية ترفض الفصل بين المنطق والخيال، لأن أعمق الحقائق تحتاج إلى جناحي العقل والقلب معاً. إن هذه البراعة النادرة في كتابة المشاعر بإتقان الشاعر وتحليلها بعمق الفيلسوف، تخلق مساحة فريدة يتحاور فيها الوجدان والفكر في تناغم بديع.
أما المرح الذي يضيء هذه الشخصية فليس ترفاً، بل هو فلسفة وجودية تدرك أن الحياة أكبر من أن تُحمل على محمل الجد المطلق. إنها رقصة الكون بين الثقل والخفّة، بين الجدية والمرح، بين العمق والبساطة.
هذه الرحلة الشاملة تبدأ من الجسد كوعاء للهوية، حيث يصبح اللباس لغة وجودية تعبر عن الحق في أن تسكن الذات نفسها دون قيود. وتمتد إلى الفكر الذي يرفض المسلمات الجاهزة، وإلى الروح التي ترفض أن تُحصر في أطر ضيقة.
إن المرأة في هذه الرحلة الوجودية لا تبحث عن هوية مفقودة، بل تخلق هوية متجددة من رحم الأصالة والحداثة، من العقل والعاطفة، من الجد واللعب. إن هذا التوازن بين الحرية الفكرية والمسؤولية المعرفية هو أعلى درجات النضج الفلسفي، وهو الجسر بين الأصالة والمعاصرة، بين الإيمان العميق والعقل الحر.
فهنيئاً لتلك الشخصيات الاستثنائية التي تثبت أن الإنسان يمكن أن يكون كوناً كاملاً في نفس واحدة. وكما قال جبران خليل جبران: “قد تكونون أجنحة لكن لا تطيرون بجناح واحد، إن كنتم لا تطيرون بالجناحين معاً”.
- – فداء بن عرفة – تونس