11:28 مساءً / 12 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

غدير الزبون تُوجّه “صرخة كتب” إلى مثقفي العالم في كتاب “رسائل نسائية عربية”

غدير الزبون تُوجّه "صرخة كتب" إلى مثقفي العالم في كتاب "رسائل نسائية عربية"

شفا – في رحلة جديدة للحرف العربي، وضمن تظاهرةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ واسعة، تشارك الكاتبة غدير حميدان الزبون من فلسطين في الكتاب الجماعي “رسائل نسائية عربية” الصادر عن مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي، بإشراف الدكتور إدريس جرادات، سادن التراث الشعبي الفلسطيني ومدير المركز، الذي أطلق فكرة المشروع وأشرف على ولادته حتى خرج إلى النور، ليحمل أصوات الكاتبات العربيات إلى العالم.


وسيُشارك الكتاب ضمن جناح دار الجندي للنشر والتوزيع في عددٍ من المعارض الدولية، ليكون جسرًا ثقافيًا يعبر من القلب الفلسطيني إلى فضاءات الفكر العربي والعالمي.


وفي هذا الإصدار، خطّت د. غدير رسالتها المؤثرة بعنوان “صرخة كتب”، وهي رسالة من امرأة فلسطينية إلى مثقفي العالم، جاءت بمثابة وثيقة إنسانية تُعبّر عن وجع الأرض، وعن مقاومة الكلمة في وجه محاولات الطمس والإبادة الثقافية.


وفيما يلي نصّ الرسالة كما وردت في الكتاب:


رسالة من امرأة فلسطينيّة إلى مثقفي العالم “صرخة كتب”
أيها المثقفون في الشرق والغرب، يا حراس الكلمة، وأوصياء الذاكرة الإنسانية،


أما قبلُ، فأحييكم بسلامٍ من الله وأمنٍ وسكينة، سلامٌ يخرج من بين جراحٍ لم تندمل بعد، ومن قلوبٍ أضناها الحنين، لكنّه سلامٌ يليق بكرامة الإنسان، وبحلم الأرض أنْ تظلّ خضراء نابضة.
أحييكم بما تبقى من أصواتنا المبحوحة، وبما حملناه من ذاكرةٍ مثقلة بالرحيل، وبما ورثناه من أجدادٍ خطّوا أسماءهم على الصخر، لئلا تذروها الرياح.


أحييكم يا سادة الحروف، والألم يغصّصني بريقي، ويكأنّ حروفكم جمرة على لساني، ودم في وريدي.
وأمّا بعدُ، فأكتب إليكم لأنني سليلة أرضٍ تنزف، وشاهدة على ذاكرةٍ تتعرض للطمس، وصوت يحمل في جوفه صدى أجيالٍ تكسّرت أحلامها على صخور الغياب.


أكتبُ إليكم لأنّ الكلمة ما زالت آخر أسلحتنا، ولأنّ الصمت في حضرة الجريمة جريمة أُخرى.


أكتبُ إليكم عن غزة العزّة، عن مدينة صارت كتبها رمادًا، ومكتباتها ركامًا، وأحلام طلابها شظايا متناثرة.
أكتب عن أرضٍ أُطفئت فيها قناديل المعرفة تحت القصف، وسقطت رفوف الحكمة فيها كما يسقط الشهداء، واحترق الحبر في دواته كما يحترق الجسد.


أسائلكم بما تبقّى في ضمائركم من إنسانية:
ألا تهزّكم صور المكتبات وهي تشتعل؟
ألا تصدمكم أرفف المعرفة وهي تنهار؟
أين أصواتكم وأنتم ترون الكتب تُباد أمام العالم؟
كيف يصمد قلمكم، وأنتم تشهدون حربًا معلنة على العقل والروح والذاكرة؟
أيها المثقفون، أتعرفون عن أي شعب أتحدث؟
أتحدثُ عن شعبٍ يحبُ الحياة ما استطاع إليها سبيلا، شعبٌ يستحق الحياة، رغم كلّ ما لاقاه من خرابٍ وظلم.
لقد رأينا أطفالًا يفتشون بين الأنقاض عن دفاترهم، وطلبة يجمعون قصاصات أوراقٍ محروقة، وكتّابًا يقفون عاجزين أمام رمادٍ يبتلع تاريخهم.


لقد رأينا الحروف تُسحق، والذاكرة تُمحى، والأحلام تتبدّد في دخانٍ كثيف، كأنّ الأرض صارت مسرحًا لصرخةٍ بلا صوت.
ورغم كلّ هذا الدمار رأينا العِلمَ يرفع رأسه من بين الركام: كتب مهترئة، وصفحات ممزقة، أوراق متربة، لكنها لم تمت.
رأينا الباحثين يجمعون مخطوطاتٍ قديمة، وأساتذة يقرأون على حدة الحروف المحترقة لتعيد الحياة إلى المعاني، وطلابًا يكتبون على جدران الأنقاض ما لم يعد بإمكانهم حمله في دفاترهم.


لقد رأينا المعرفة تقاوم الدمار مثل جذر شجرة عنيدة يخرج من صخرة صلبة.
رأيناها شعلة صغيرة ترفض أن تنطفئ في ظلام الحرب.


ففي كلّ كتابٍ أعيد جمعه، وفي كلّ صفحةٍ أُعيدت قراءتها، وفي كلّ حرفٍ وُضع على الجدار ليبقى شاهدًا تولد صرخة جديدة: صرخة علمٍ لا يُقهر، وصرخة معرفةٍ لا تموت، وصرخة كتب تبقى لتذكّرنا أنّ هذا الشعب حي، وأنّ الكلمة مهما حاولوا أنْ يقتلوها ستظلّ باقية لتضيء دروب الغد.
أليس هذا الوجع وجعكم؟


أليس سقوط المكتبة سقوطًا لكم جميعًا؟


إنّ قصف المكتبات قرار مقصود بمحو الذاكرة، فلم يُرِد المعتدون أنْ يكتفوا بقتل الأجساد بل حرصوا على أن يقتلوا الفكرة، ولم يكتفوا بإسكات الحياة، بل سعوا إلى إطفاء العقل.


فهل يليق بكم أنْ تصمتوا وأنتم شهود على جريمة بهذا العمق؟


أيها المثقفون، لا تقولوا: لسنا مسؤولين، ولا تتذرعوا بالحياد فتنسحبوا خلف جدران الصمت.
أنتم مسؤولون أمام الكلمة، وأمام الثقافة، وأمام التاريخ.


إنّ خذلانكم اليوم سيُكتب غدًا خيانة للحقيقة، وإنّ سكوتكم سيظلّ علامة عار على جبين الثقافة العالمية.
قفوا، ولا تسمحوا بمرور الجريمة مثل خبر عابر.


اكتبوا، ولا تتركوا الصفحات بيضاء، واصرخوا، ولا تتركوا الحبر بلا صدى.


أيها المثقفون، إنّ الكتاب الذي احترق في غزة كان جسرًا بين الشعوب، والمكتبة التي انهارت كانت بيتًا للإنسانية كلها، لا للفلسطينيين وحدهم، وإذا سقطت اليوم الكتب شهيدة في غزة، فمن يضمن ألا تسقط غدا في مدائنكم؟
أتعجّبُ من هذا الصمت، وأتعجّبُ من هذا التردد.


كيف تتغنون بحرية الكلمة، وأنتم تسكتون أمام قتلها؟
وكيف تتباهون بحماية التراث، وأنتم تتركون الذاكرة تُمحى أمام أعينكم؟


أستحلفكم بالله ألّا تتركوا غزة يتيمة في مواجهة النسيان، وألّا تسمحوا بأنْ يصبح رماد الكتب غبارًا فوق وجوه العالم فتخذلوا المكتبات التي كانت ملاذًا للطلاب، ثم صارت شاهدًا على جريمة موصوفة.


أتظنّون أنّ غزة تستجديكم؟ إياكم أنْ تفكّروا بذلك، أو حتى أنْ تهمسوا به في سرائركم، فغزة لا تطلب عزاءً ولا شفقة.
غزة تناديكم بالعدالة والموقف، وتنتظر منكم أنْ تحموا ما تبقى من الكتب، وأنْ تعيدوا بناء ما سقط، وأنْ تجعلوا من أقلامكم أسوارًا للكلمة، ومن أصواتكم منابر للذاكرة.


أيها المثقفون، إنّ صمتكم جريمة، وحيادكم خيانة، وتخاذلكم وصمة لا تُمحى.


انهضوا الآن، وقاوموا بالنص، بالقصيدة، بالمقال، بالبيان، بالموقف، واجعلوا من الثقافة جبهة في وجه التدمير، وأعلنوا أنّ الكلمة لا تُحرق، وأنّ غزة ستكتب من رمادها ميلادًا جديدًا للمعرفة.


أعلنوا أنّ الذاكرة لا تُطمس، وأنّ الكلمة باقية ما دام في الإنسان نبض.


قولوا للعالم أجمع إنّ غزة التي أرادوا لها أنْ تصمت ستكتب من رمادها ميلادًا جديدًا للمعرفة، وستبقى منارةً للحقيقة، ما بقي في الكون قلبٌ يخفق بالحرية.


وهكذا، أيها الأصدقاء، لا أملك في حضرة الخراب إلّا أنْ أطلق صرخةً تُكتب ولا تُمحى، صرخةً من حبرٍ لا يجفّ، ومن وجعٍ لا يلين.


صرخة كتب تكون جدارًا يصدّ النسيان، ويدًا تمتدّ في العتمة لتضيء دروب الغد.


صرخة كتب، لتشهد أنّ الكلمة ما زالت قادرة على أنْ تُقاوم، وأنّ الحبر حين يمتزج بالدمع والدم يصير عهدًا أبديًّا على البقاء.


فأعيدوا للمثقف حصادَ عمره، كي لا يبقى غريبًا بين كتبه التي تناثرت كأشلاء ذاكرة، وأعيدوا للطفولة المحروقة قصصَ ما قبل النوم، كي لا ينام الأطفال على صوت القصف بدلًا من حكايات الجدّة عن الغد المشرق.
نعم، أعيدوا للكتب حقَّها في أنْ تُقرأ، وللكلمة حقّها في أنْ تُقال، وللذاكرة حقّها في أنْ تبقى وصيّة الأجيال.
فما لم يُكتبْ ضاع، وما لم يُروَ اندثر، وما لم يُحفظْ تلاشى.


انهضوا، أيها الأصدقاء، ولنجعل الثقافة جبهة، والحبر عهدًا، والكلمة حصنًا أخيرًا في وجه المحو، حتى يشهد التاريخ أننا لم نصمت، ولم نساوم، ولم نغادر ساحة الكلمة.


أودّعكم بهذه الصرخة، علّها تجد صداها في قلوبكم، فتصبح كلّ كلمةٍ حارسًا للذاكرة، وكلّ كتابٍ شاهدًا على أنّنا كنّا هنا، وما زلنا نكتب لنحيا.


ختامًا، تأتي رسالة د. غدير الزبون “صرخة كتب” نداء إنسانيّا وبيانا ثقافيّا للمثقف العربي والعالمي على السواء، لتقول إنّ الكلمة ما زالت قادرة على أنْ تُقاوم، وأنّ الحبر حين يمتزج بالدم والدمع، يصير عهدًا أبديًّا على البقاء.


إنها صرخةٌ من أرضٍ تحترقُ ولا تنطفئ، تتوهّجُ في العتمة قنديلا من دمعٍ ونار، وتُقيمُ في الرماد قدّاسَ الخلود.
هي فلسطينُ، التي تُعلّمُ الرمادَ كيف يصيرُ بذرةً، وتُدرّبُ الموتَ على معنى الولادة.


تكتبُ من جراحها رواية المعرفة، ومن نكبتها ملحمةَ الوعي، وتُثبتُ أنّ الثقافةَ فيها فعلُ وجودٍ ومقاومةٍ وحياة، تُنبتُ القصيدةَ على حافةِ الركام، وتجعلُ من الكتابِ منبرًا، ومن الحرفِ رايةً، ومن القلمِ سيفًا يُنازلُ العدم.


ففي كلِّ بيتٍ مهدومٍ مكتبةٌ تُعادُ إلى الحياة، وفي كلِّ طفلٍ يكتبُ على جدارِ المخيمِ درسًا في الحرية،
وفي كلِّ أمٍّ تُنشدُ أغنيةَ الغيابِ نغمةَ بعثٍ جديد.


هكذا تبقى فلسطينُ مقامَ الروحِ إذا ناحت، ونبضَ الأرضِ إذا أنشدت، وميزانَ الجمالِ إذا اختبرته النيران.

شاهد أيضاً

إصابة عامل برصاص الاحتلال شمال القدس

إصابة عامل برصاص الاحتلال شمال القدس

شفا – أصيب عامل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، في بلدة بيت حنينا …