11:24 مساءً / 22 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

ثلاثة أيام عمل في الأسبوع ، مقاربة فلسطينية لترشيد الإنفاق وتحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص ، بقلم : المهندس غسان جابر

ثلاثة أيام عمل في الأسبوع ، مقاربة فلسطينية لترشيد الإنفاق وتحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص ، بقلم : المهندس غسان جابر

تعيش فلسطين منذ سنوات أزمة مالية خانقة، نتيجة عوامل متشابكة أبرزها الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، وارتفاع النفقات الحكومية، وتراجع الدعم الخارجي، إضافة إلى محدودية الموارد الاقتصادية المحلية. هذا الواقع جعل الموازنة الفلسطينية في حالة عجز مزمن، حيث أظهرت بيانات وزارة المالية الفلسطينية لعام 2022–2023 أن الموازنة بلغت نحو 21 مليار شيكل بعجز متوقع يتجاوز 359 مليون دولار، وهو ما انعكس مباشرة على القدرة التشغيلية لمؤسسات الدولة وأعباء المواطنين على حد سواء.

في مواجهة هذه التحديات، بات من الضروري التفكير في حلول مبتكرة خارج الأطر التقليدية، تركز على ترشيد النفقات وتعزيز كفاءة استخدام الموارد. ومن بين هذه المقترحات، يبرز خيار تقليل أيام العمل إلى ثلاثة أيام أسبوعياً (الأحد، الإثنين، الأربعاء) بحيث تتزامن مع دوام المدارس، فيما تتحول الأيام الأخرى إلى عطلة رسمية. يهدف هذا النظام إلى توحيد إيقاع الحياة اليومية بين المؤسسات التعليمية والقطاعات الحكومية والخاصة، وخفض التكاليف التشغيلية، وتحسين جودة الحياة للعاملين والأسر الفلسطينية.

الإطار النظري والتجارب الدولية

فكرة تقليص أيام العمل ليست جديدة على الساحة العالمية، فقد اختبرتها عدة دول ومؤسسات بطرق متنوعة، وخرجت بتجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها في السياق الفلسطيني:

  1. آيسلندا (2015–2019):
    أجرت تجربة عمل 4 أيام في الأسبوع شملت 2500 موظف حكومي. النتائج أظهرت ارتفاعاً في الرضا الوظيفي والإنتاجية، مع تحسن ملحوظ في الصحة النفسية للعاملين.
  2. بريطانيا (2022):
    نُفّذت أكبر تجربة على مستوى الشركات الخاصة، حيث شاركت أكثر من 60 مؤسسة. أظهرت النتائج أن 92% من الشركات استمرت في تطبيق النظام بعد انتهاء التجربة، بسبب زيادة الولاء المؤسسي وتراجع الإجازات المرضية.
  3. اليابان (شركة مايكروسوفت – 2019):
    اعتمدت نظام عمل 4 أيام في الأسبوع، وحققت زيادة في الإنتاجية بنسبة 40%، مع توفير ملحوظ في استهلاك الكهرباء والطاقة.
  4. الإمارات العربية المتحدة (2022):
    انتقلت الحكومة إلى نظام 4 أيام ونصف عمل أسبوعياً (الجمعة نصف يوم). التجربة عززت جاذبية بيئة العمل وساهمت في رفع جودة الحياة.

هذه التجارب تؤكد أن التركيز على جودة العمل لا كميته يمكن أن يكون أكثر فاعلية من الاستنزاف التقليدي لساعات وأيام أطول. ومن هنا، فإن مقترح تقليص أيام العمل في فلسطين لا يبدو خياراً مغامراً، بل مقاربة عملية متكيفة مع الواقع المالي والاجتماعي الراهن.

الوضع الفلسطيني الراهن

  1. العجز المالي العام

تشير بيانات وزارة المالية الفلسطينية إلى اعتماد شديد على الإيرادات الضريبية التي تتأثر بشكل مباشر بإجراءات الاحتلال (الاقتطاعات من المقاصة). وبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2023، فإن العجز في الموازنة يتجاوز 5% من الناتج المحلي، مع تراكم ديون على الحكومة تزيد عن 8 مليارات دولار.

  1. استهلاك الطاقة والنقل

وفق إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يشكل القطاع المنزلي نحو 38% من إجمالي استهلاك الكهرباء، بينما تستهلك المواصلات والنقل حصة مرتفعة من الوقود المستورد. هذا يعني أن تقليص أيام التنقل إلى العمل والمدارس يمكن أن يوفر مليارات الشواكل سنوياً.

  1. تحديات القطاع الخاص

القطاع الخاص الفلسطيني يعاني من تباطؤ النمو، وصعوبة التصدير، وارتفاع تكاليف التشغيل. الغرف التجارية تحذر باستمرار من تقلص هوامش الربح بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة. تقليص أيام العمل قد يكون فرصة لإعادة جدولة النشاط الاقتصادي بفعالية أكبر، خاصة مع اعتماد أدوات الرقمنة والعمل عن بعد.

  1. الواقع الاجتماعي

تشهد الأسر الفلسطينية ضغوطاً مالية هائلة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما جعل نسبة الفقر والبطالة في مستويات غير مسبوقة. هذا يعزز الحاجة إلى مقترحات توازن بين متطلبات العيش الكريم وترشيد الإنفاق الأسري.

مقترح تقليل أيام العمل إلى ثلاثة

  1. آلية التطبيق

الأيام المعتمدة: الأحد، الإثنين، الأربعاء.

القطاعات الحكومية: الوزارات، المؤسسات الرسمية، البلديات، باستثناء الخدمات الحيوية.

القطاع الخاص: الشركات التجارية، المصانع، المصارف، باستثناء المهن التي تتطلب استمرارية (مثل المطاعم، الخدمات اللوجستية).

الخدمات الحيوية: الصحة، الأمن، الدفاع المدني، المياه والكهرباء.

القطاع التعليمي: توحيد دوام المدارس مع النظام الجديد.

  1. العمل عن بعد

اعتماد منصات رقمية لمتابعة الأعمال المكتبية خلال الأيام غير المخصصة للدوام، مما يضمن استمرارية تقديم الخدمات دون الحاجة إلى استهلاك مرافق حكومية وخاصة.

  1. الجدولة المكثفة

إعادة تنظيم ساعات العمل بحيث تستوعب نفس حجم الإنتاجية خلال الأيام الثلاثة. على سبيل المثال، 8 ساعات يومياً تصبح 10 ساعات، مع مرونة تمنع الاستنزاف.

الفوائد المتوقعة

  1. خفض النفقات الحكومية:

تقليل استهلاك الكهرباء والمياه والصيانة في المؤسسات العامة.

خفض تكاليف النقل الرسمي (مركبات الوزارات والهيئات).

  1. توفير في النفقات الخاصة:

خفض مصاريف المواصلات اليومية للأسر.

تقليل كلفة تشغيل المصانع والمحال التجارية.

  1. تحسين الصحة النفسية:

تقليل مستويات التوتر والاحتراق الوظيفي.

إتاحة وقت أكبر للراحة والعلاقات الأسرية.

  1. رفع الإنتاجية:

الدراسات العالمية تثبت أن تقليل أيام العمل يحفز العاملين على الإنجاز ضمن وقت أقل.

يمكن للشركات إعادة تنظيم خطوط إنتاجها لتحقيق مردود أعلى.

  1. تقليل الضغط على البنية التحتية:

تخفيف الازدحام المروري في شوارع المدن.

تقليل الضغط على شبكات الكهرباء والمياه في أوقات الذروة.

  1. دعم التحول الرقمي:

تعزيز ثقافة العمل عن بعد.

تقليل الاعتماد على البيروقراطية التقليدية.

التحديات المحتملة

  1. مقاومة التغيير:

قد يرفض بعض الموظفين وأرباب العمل الفكرة خوفاً من فقدان السيطرة على الإنتاج.

يحتاج الأمر إلى برامج توعية وحوافز تشجع الالتزام.

  1. القطاعات التجارية والخدمية:

الأسواق والمحلات قد ترى أن ثلاثة أيام غير كافية للتجارة.

يمكن استثناء بعض القطاعات التجارية مع إبقاء المبدأ مطبقاً على المؤسسات الحكومية والإدارية.

  1. القطاع المصرفي:

تقليص أيام عمل البنوك قد يعيق حركة المعاملات.

الحل: توفير خدمات رقمية وأجهزة صراف آلي ذكية لتعويض النقص.

  1. التنسيق بين القطاعين العام والخاص:

ضرورة وجود رؤية موحدة تضمن تكاملية النظام وعدم إرباك حركة العمل.

  1. الاحتلال الإسرائيلي:

إغلاق المعابر أو فرض قيود قد يعطل أي نظام جديد.

الحل: صياغة آليات مرنة تتكيف مع الظروف الطارئة.

توصيات عملية للتنفيذ

  1. تجربة تجريبية:
    تطبيق النظام في وزارات محددة (مثل وزارة الاقتصاد أو التعليم) لمدة 6 أشهر، مع تقييم شامل للنتائج.
  2. إطار تشريعي:
    إصدار قانون أو قرار حكومي يحدد أيام العمل الرسمية ويضمن حماية حقوق العمال في القطاع الخاص.
  3. حوافز للقطاع الخاص:
    منح إعفاءات ضريبية أو تخفيضات في الرسوم للشركات التي تطبق النظام الجديد.
  4. تعزيز البنية الرقمية:
    الاستثمار في منصات حكومية رقمية تسمح بالخدمات الإلكترونية، مما يقلل الحاجة إلى الحضور الميداني.
  5. متابعة وتقييم دوري:
    إعداد تقارير نصف سنوية تقيس الأثر الاقتصادي والاجتماعي للنظام، وإجراء التعديلات اللازمة.

نقول: يمثل مقترح تقليل أيام العمل إلى ثلاثة أيام أسبوعياً خطوة استراتيجية واقعية تستجيب للظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعيشها فلسطين. فهو يحقق ترشيداً ملموساً في الإنفاق الحكومي والخاص، ويمنح الأسر والعاملين وقتاً أكبر للراحة، ويرسخ التوازن بين العمل والحياة.

ورغم التحديات المتوقعة، فإن نجاح التجارب العالمية يمنحنا الثقة بأن التطبيق ممكن في السياق الفلسطيني إذا ما رافقته إرادة سياسية، ورؤية متكاملة، وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص. إن فلسطين، التي تبحث عن حلول خلاقة لمواجهة أزمتها المالية، يمكن أن تكون نموذجاً عربياً رائداً في إعادة تعريف مفهوم العمل والإنتاجية.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم الاربعاء

اسعار الذهب اليوم الاربعاء

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الأربعاء 22 أكتوبر كالتالي :عيار 22 85.900عيار 21 82.000