10:00 مساءً / 18 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

اعتراف .. ، بقلم : محمد علوش

اعتراف .. ، بقلم : محمد علوش

في زمنٍ تبنى فيه التحالفات على أساس المصالح، وتهندس فيه الخرائط وفق موازين القوة لا وفق موازين الحق، يجيء الاعتراف بدولة فلسطين كصرخة مؤجّلة للعدالة، وككلمة كان ينبغي أن تقال منذ عقود طويلة.


إنه أكثر من خطوةٍ دبلوماسية عابرة؛ إنه اعتراف بوجود لا يمحى، وبحقّ لا يسقط بالتقادم، وبوطن لم يغب يوماً إلا عن دفاتر الذين أنكروا الحقيقة وحاولوا عبثاً طمسها.


كل اعتراف بفلسطين هو حجر جديد يوضع في جدار العدالة، وهو في الوقت ذاته كسرٌ لجزءٍ من جدار الصمت الدولي الذي طال، غير أنّ هذا الاعتراف يعيد إلى الأذهان سؤالاً مريراً: لماذا تأخّر العالم كل هذا الزمن ليرى ما يراه طفل فلسطيني وهو يبحث على مفتاح بيتٍ هدم، لكنه ظلّ حيّاً في ذاكرته وذاكرة أمه وأجداده؟ لماذا عومل الحق الفلسطيني وكأنه ورقة تفاوض قابلة للمساومة، لا حقيقة راسخة في الأرض والتاريخ والوعي الجمعي؟


فلسطين ليست مشروعاً ينتظر التوقيع على ورقة في قاعة مغلقة، بل كيان حيٌّ ولد من رحم الألم، وحمل على أكتاف أجيال لم تعرف الاستسلام، وفلسطين تراها الأمهات في ملامح أبنائهن، وتلمسها المدن في حجارتها العتيقة، ويشهد عليها زيتونها العتيق الذي لا ينحني، ويسطّرها دم الشهداء الذي صار حدّاً فاصلاً للكرامة.


فلسطين لم تنتظر الاعتراف لتوجد؛ بل هي التي منحت الاعتراف معنى حين أصرّت على البقاء، وواجهت محاولات الإلغاء بعناد الهوية وصلابة الجذور.


الاعتراف الدولي لا ينشئ دولة، بل يؤكد حضورها الذي لم ينقطع يوماً، وفلسطين، على الرغم من الحصار والاحتلال ومحاولات الطمس والتشويه، ستبقى دولة تحرس بالتضحيات، وتحملها ذاكرةٌ جمعية لشعبٍ لم يساوم على اسمه، ولا على أرضه، ولا على حقه في الحرية والسيادة والكرامة الوطنية.


إننا نرحّب بكل اعتراف جديد، لا لأننا نبحث عن شرعية من الآخرين، بل لأن كل اعتراف يمثّل هزيمة صغيرة لسياسات الظلم، وشقّاً في جدار الإنكار، وخطوة – مهما تأخرت – على طريق العدالة، غير أنّ فلسطين لم تنتظر شهادة ميلاد من العالم، فهي أقدم من خرائطهم، وأعمق من قوانينهم، وأرسخ من كل محاولات التجاهل والنسيان، وما تحتاجه حقّاً هو إرادة دولية صادقة تنهي الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية، وتعيد الحق إلى نصابه، وتفتح الطريق أمام شعبنا المضطهد لينعم بحريته كبقية شعوب الأرض، فالاعتراف ليس نهاية الطريق، بل بدايته، بداية لمعركة أوسع من أجل الحرية، ومن أجل وطنٍ كامل السيادة، ومن أجل أن يرى العالم الحقيقة كما هي: أن فلسطين ليست قصة قابلة للتأجيل أو المساومة، بل حقيقة باقية، وصوت يتردّد رغم كل محاولات الإلغاء، واسم لا ينطفئ مهما توهّمت قوى القهر.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

شفا – استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس ” ابو مازن ” ، اليوم السبت، …