كيف ننتصر على الاكتئاب إثر فقدان الأعزاء ؟ ، بقلم : رانية مرجية

كيف ننتصر على الاكتئاب إثر فقدان الأعزاء؟ ، بقلم : رانية مرجية

حين ينهار الداخل

الفقد ليس موتًا للآخر فقط، بل زلزال يهزّ الروح حتى تظن أن حياتك قد غدت أنقاضًا. حين نودّع من نحب، نشعر وكأننا وُلدنا يتامى من جديد، مهما كان عمرنا. هذا الانكسار لا يُعيبنا، بل يكشف عمق إنسانيتنا. فالمحبة التي كُسرنا بها هي أعظم ما فينا.

الاكتئاب… ظلّ الروح

كثيرون يرونه خصمًا يجب قهره، غير أن الاكتئاب هو ظلّ الروح حين تنطفئ فجأة. إنه صرخة صامتة تقول: “توقّف، لقد فقدتَ قطعةً منك.” فإذا واجهناه كعدو، ازداد بطشًا، وإذا أصغينا إليه صار معلّمًا خفيًا، يقودنا إلى معنى جديد في قلب الخراب.

الفلسفة: ضوء في العتمة

تاريخ الفكر لم يكن إلا حوارًا مع الألم. سقراط شرب كأس السمّ بابتسامة، ونيتشه كتب: “من يملك لماذا يعيش، يمكنه أن يتحمل أي كيف.” الفقد يضعنا أمام سؤال المعنى، والجواب لا يأتي دفعة واحدة، بل كنبع يتفجّر من صبر الروح. من الرماد يمكن أن نصنع لغةً، ومن الحداد قد تولد حكمة تقودنا إلى أبعد من أنفسنا.

النفس والحداد: عبور لا هروب

علم النفس لا يطالبنا بأن ننسى، بل أن نعبر. الصدمة، الغضب، الإنكار، ثم القبول… كلها محطات علينا أن نسيرها ببطء، بصدق، وبدمعٍ لا نخجل منه. الهروب يضاعف الجرح، أما السير في دروب الحداد فهو الذي يجعلنا أكثر اتزانًا وصلابة.

كيف ننهض؟

• ننهض بالاعتراف: فالدموع ليست هزيمة، بل بداية شفاء.
• ننهض بالمشاركة: حين نحكي عن أحبائنا، نعيد إليهم حياةً بيننا.
• ننهض بإحياء الذكرى: الراحل يسكن فينا، في حكاية نرويها، في أغنية نستمع إليها، في ابتسامة نرسلها باسمه.
• ننهض بخلق معنى: من موتهم يولد فينا مشروع حياة، رسالة، فعل خير، أو قصيدة تبقي أسماءهم على قيد الخلود.

خاتمة: الفقد بوابة إلى ضوء آخر

الانتصار على الاكتئاب لا يعني سحق الألم، بل تحويله. لا يعني النسيان، بل المصالحة. نحن لا نخرج من الفقد كما دخلناه؛ نخرج أكثر إنسانية، أعمق وجدانًا، وأوسع قلبًا. الذين رحلوا لم يغادروا تمامًا، بل تحوّلوا إلى طاقة خالدة تدفعنا نحو الحياة من جديد